Site icon IMLebanon

نحو مرحلة جديدة في المواجهة: حزب الله أكثر تحفّزاً للردّ

 

 

رغم أن العدو الإسرائيلي اعتدى فأوجع، إلا أن الأمر المحسوم أنه سيكتشف سريعاً أنه لم يقترب من الأهداف التي يسعى إلى تحقيقها، بل أصبحت أكثر بعداً من أي وقت آخر، وسيدفع أثماناً مؤلمة رداً على استهدافه المدنيين بصورة واسعة. فحزب الله فرض قواعد اشتباك في إسناد غزة، والتزم بها حتى الآن حماية للمدنيين في لبنان. ويكفي التأمل في بيان الحزب أول من أمس لاكتشاف أن قراءته لما جرى بأن العدو أخطأ في التقدير عندما وسَّع عدوانه بما يدفع المقاومة إلى نمط جديد من العمل وإلى عقاب وقصاص خاص، كما أعلن رئيس المجلس التنفيذي لحزب الله السيد هاشم صفي الدين أمس. ويبدو أن العدو ينكبّ في هذه المرحلة سياسياً واستخبارياً على مواكبة مواقف وبيانات حزب الله لتلمّس أي مؤشرات حول الاتجاه الذي ستسلكه التطورات.مع هذه الاعتداءات الجديدة تكون المواجهة على جبهة لبنان قد دخلت مرحلة جديدة، ستتكشّف ملامحها في الأيام المقبلة. لذلك انكبّت الأجهزة الأمنية على دراسة خيارات حزب الله في ردوده والاستعداد لها. وضمن هذا الإطار، تمّ الإعلان عن تعزيز قوات الجيش على الحدود الشمالية، كجزء من رفع مستوى الجهوزية، ولتوجيه رسائل ردعية لثني حزب الله عن الرد، عبر الإيحاء بأن جيش العدو في حال جهوزية واستعداد لتغيير الواقع الأمني والاستعداد لكل السيناريوهات كما أوضح قائد المنطقة الشمالية اللواء أوري غوردين.

السؤال الذي يحتل محور اهتمامات الخبراء في كيان العدو وخارجه يتركّز حول توقيت تنفيذ هذا العدوان، خصوصاً أنه كان بالإمكان تأخيره إلى مرحلة نشوب الحرب؟

المؤكد أن عدواناً بهذه المزايا لا تتفرّد الأجهزة الأمنية في اتخاذ القرار به، كما أنه ليس من نوع العمليات التي يصادق عليها المستوى السياسي بشكل تقليدي، وإنما يندرج ضمن إطار العمليات التي تشكّل ترجمة لقرارات ذات أبعاد استراتيجية لجهة الأهداف والتداعيات. ولذلك لا يمكن فصله عن المحطات التي أسّست للخيار الذي تبنّته قيادة العدو وأنتج هذا القرار. فقد سبقت هذه الخطوة مشاورات أميركية – إسرائيلية مُكثَّفة على مستويات عليا حول سيناريوهات مستقبل الجبهة اللبنانية، فضلاً عن المواكبة الأميركية الدائمة على مستويات متعددة، استخبارية وعملياتية وسياسية. وأعقب هذه المشاورات أيضاً نقاشٌ أمني استراتيجي شمل القيادتين السياسية والأمنية في إسرائيل الخميس الماضي حول جبهة لبنان، إضافة إلى النقاش بين الجيش وأعضاء الحكومة الأحد الماضي حول الخيارات المطلوبة إزاء لبنان، وبرز في حينه رفض نتنياهو لتوصية الجيش بتأجيل التصعيد على جبهة لبنان إلى ما بعد استعداد الجيش لهذه المهمة. وفي إطار متصل، طرح المعلّق العسكري في صحيفة «هآرتس» عاموس هرئيل مجموعة تساؤلات: «هل نُفّذت العملية التي أُعدت منذ وقت طويل في التوقيت الصحيح؟ وهل تريد إسرائيل ردع حزب الله عن الاستمرار في إطلاق النار على شمالها، وفرض تسوية عليه، تتضمن انسحاباً لقواته من الحدود اللبنانية أم أن الهدف هو جرّه إلى حرب؟».

العدوان الأمني جاء بعد مشاورات إسرائيلية – أميركية تبنّت خياراً عدوانياً يلامس أو قد يؤدي إلى حرب واسعة

 

على هذه الخلفية، أصبح واضحاً أن العدوان الأمني الشامل الذي استهدف مقاومين ومدنيين على نطاق واسع جداً، كان حصيلة هذه الجلسات والمشاورات التي تبنّت خياراً عدوانياً يلامس أو قد يؤدي إلى حرب عسكرية واسعة. وهو ما عبَّر عنه هرئيل بالإشارة إلى أنه «بعد فترة من الإحباط استمرت عاماً تقريباً، لم تنجح إسرائيل خلالها في تحقيق الحسم في أيّ جبهة، ازداد الضغط على رؤساء المنظومة الأمنية لتحقيق نتائج، ومعه ازداد الإغراء بانتهاج حلول هجومية، يكون تأثيرها مضموناً»، مشيراً إلى أن العدو سبق أن قام بعمليات في هذا الاتجاه، من استهداف القنصلية الإيرانية وصولاً إلى اغتيال السيد فؤاد شكر وإسماعيل هنية وقصف مرفأ الحديدة، وهي عمليات «حظيت بتأييد نسبي من الجمهور، وتفاخر نتنياهو بها، لكن حتى الآن، لم تؤدّ إلى إحداث تغيير واضح في تطورات الحرب». وأراد هرئيل بذلك القول إن هذا العدو يشكل امتداداً لمحطات مفصلية سابقة، هذا من دون إغفال ما يمثّله من توسعة وارتقاء في العدوان، نتيجة فشل رهانات العدو على إحداث تغيير في خيارات حزب الله أو ردعه.

في السياق نفسه، يبدو أن قيادة العدو راهنت في عدوانها الأمني الشامل الأخير على ردع حزب الله عن مواصلة خياره الاستراتيجي إسناداً ودعماً لمقاومة غزة وأهلها، وبهدف منع العدو أيضاً من فرض وقائع يطمح إليها على الأراضي اللبنانية. ومنشأ هذا الرهان لدى قيادة العدو أن حزب الله معنيّ بعدم الدفع نحو حرب شاملة، وبأن ردوده عبر الجبهة ستكون محكومة بهذا السقف. في المقابل، وجد العدو أنه مُلزم بالتكيّف مع واقع الجبهات من غزة إلى لبنان وفي مواجهة اليمن والعراق، انطلاقاً من تقديره للمخاطر الكامنة في كل البدائل المطروحة أمامه، من دون إغفال تداخل خلفية مؤسسة القرار السياسي التي تتحرك أيضاً بعوامل أيديولوجية وحكومية وشخصية في ترجيح هذا الخيار عن ذاك.

أما على مستوى النتائج الفعلية، فقد أصبح واضحاً بعد بيانات حزب الله وموقف قيادته أن هذه الاعتداءات لم تحقق النتائج المرجوّة إسرائيلياً، وإنما حفَّزته لردود خاصة تتلاءم مع طبيعة العدوان وحجمه. ويبدو أن في كيان العدو من بدأ يتلمّس نتائج مغايرة لما تمّ الرهان عليه، وهو ما أشارت إليه «هآرتس» بأن ضخامة الهجوم يمكن أن تؤثّر في اعتبارات حزب الله وتغيّر سياسته العملياتية، وهو ما يتقاطع مع ما أعلنه السيد صفي الدين بأن حزب الله سيواصل إسناد غزة «وفق نمط جديد ومواجهة جديدة مع العدو». وفي خلاصة قراءة مجمل المشهد، تبلور لدى العديد من الخبراء والمعلّقين في كيان العدو تقدير جامع بأنه «في الوقت الذي تعهّد نتنياهو للجمهور بأننا على بُعد مسافة قصيرة من النصر المطلق، يبدو الآن أننا قريبون من حرب واسعة النطاق ضد حزب الله، وأن الحسم على كل الجبهات لا يظهر في الأفق».