إنشغلت أروقة قصر العدل في الآونة الأخيرة في التحضير لانتداب 69 قاضياً تخرّجوا منذ مدة طويلة من معهد القضاء وتوزيعهم على مراكز مُتاحة في كافة قصور العدل في لبنان، وذلك بعدما أفادت المعلومات عن توافق على كيفية توزيع هذه الانتدابات بين وزارة العدل ورئاسة مجلس القضاء الأعلى، وذلك بعد أخذ ورد استمرّا أشهراً من مكتب الوزير إلى مكتب مجلس القضاء الأعلى والعكس… انتهى “حتى اللحظة” بالتوافق.
واستفادةً من جو “التوافقي العدلي” الذي خلّفه هذا الاتفاق، عمل وزير العدل هنري خوري بالتعاون مع رئاسة مجلس القضاء على توسيع دائرة الانتدابات وتحضير سلتها لملء الشواغر في مراكز قضائية حساسة مع مراعاة التوزيع الطائفي.
مصادر قضائية مراقبة رأت أنّ الرجلين استفادا من هذه الإنتدابات لإمرار الاستحقاق القضائي الأهم، وهو تسمية القاضي الذي سيخلف المدعي العام التمييزي غسان عويدات الذي سيُحال إلى التقاعد في ٢٢ شباط المقبل، خصوصا أن ترجيحات كثيرة رافقت وما زالت ترافق هوية القاضي الخَلف ومن له الأحقية في التسلّم، ومن هي الجهة التي لها أحقية التسمية، التكليف، أو الانتداب؟
في المعلومات، أن المشاورات الأخيرة أسفرَت وبالتوافق مع الجهات “القابضة سياسياً”على إبقاء منصب النيابة التمييزية من حصة الطائفة السنية، وذلك استجابة لإصرار رئيس الحكومة نجيب ميقاتي على تسمية القاضي جمال الحجار في وقت كان اتجاه وزير العدل إلى تسمية القاضي أيمن عويدات على قاعدة الاحقية، إلّا أن تطوراً طرأ على قرار ميقاتي بعد اجتماعه مع وزير العدل، فعدلَ عن خياره متمنياً على الوزير التريّث قليلًا وتأجيل البت بالانتدابات الى حين استكمال الاتفاق “السني” على تسمية نهائية، فيما رجّح البعض كفّة القاضي أيمن عويدات لتسلّم المنصب… الأمر الذي شكل إرباكاً داخل الصف السني، إذ انّ سلة الاتفاق كانت قد خَلصت إلى تسمية عويدات رئيساً لهيئة التفتيش القضائي بالإضافة إلى انتداب القاضي علي الموسوي قاضي تحقيق أول في البقاع خلفاً للقاضي عماد الزين، والقاضية غادة أبو علوان قاضي تحقيق أول في المحكمة العسكرية خلفاً للقاضي رياض أبو غيدا، والقاضي كلود غانم مفوّضاً للحكومة لدى المحكمة العسكرية خلفاً للقاضي فادي عقيقي.
“طارت “الانتدابات؟!
إلا أن التطورات التي حصلت في اليومين الماضيين بَدّلت المشهد المُتجانس قضائياً في أروقة وزارة العدل بعد أن “عدَلَ” رئيس الحكومة عن “التسمية”، كذلك “عدلَ” وزير العدل ايضا عن الانتداب! وقد ترافق “عدول” الرجلين مع معلومات عدلية تحدثت عن رفض رئيس مجلس النواب نبيه بري القاطع لـ”تطيير” القاضي فادي عقيقي (زوج القاضية ندى كروب إبنة شقيقة بري) لاستبداله بالقاضي كلود غانم لمنصب مفوض حكومة لدى المحكمة العسكرية. علماً أن دكروب مرشحة أيضاً، من حيث الأقدمية، لخلافة عويدات وهي محامية عامة في النيابة التمييزية.
وعليه، ووفق معلومات لـ”الجمهورية” وعلى أثر موقف بري الرافض لاستبدال عقيقي بغانم، تجمّدت الانتدابات الخمسة التي تشكّل المراكز القضائية الأساسية في هرم السلطة القضائية.
عبود يتحرك!
في المقلب الآخر، وأمام عزوف وزير العدل عن مهمة الانتداب بعد “فَركشة” الإنتدابات، يُحكى عن توجّه لدى رئيس مجلس القضاء الاعلى القاضي سهيل عبود بالسير في تكليف القاضي جمال حجار خلفاً لعويدات، فيما استبعدت مصادر قضائية مطّلعة هذا الأمر مُرجّحة انّ عبود لن يتخطى رغبة بري في حال قرر الأخير الإبقاء على عقيقي ودكروب معاً، بمعنى مباركة بري لخلافة ابنة اخته أي القاضية دكروب للمدعي العام التمييزي القاضي غسان عويدات!
دكروب خلفاً لعويدات؟
في المقابل، لفتت مصادر قضائية الى أنّ تَسلّم كروب للنيابة العامة التمييزية دونه موانع قانونية عدة:
ـ اولاً، انّ نص الماده ٣٦ من قانون التنظيم القضائي الذي يجعل القاضي الأعلى درجة، حُكماً، رئيساً للدائرة القضائية، يَستثني النيابة العامة وقضاة التحقيق وهذا ما تم العمل به مع قضاة التحقيق في بيروت وأكّده قرار الرئيس الأول الاستئنافي، وقد يدفع قضاة النيابة العامة الى رفض ترؤس دكروب بصورة “حُكمية” بتفسيرٍ خاص من القاضية.
ـ ثانياً، انّ دكروب هي زوجة مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية القاضي فادي عقيقي، وبالتالي تصبح رئيسةً مباشرةً لزوجها تُعطيه التعليمات بإدارة الدعوى العامة! فيما لا يصح القول انها أمام هذا الوضع يمكنها تكليف احد المحامين العامّين لإتمام تلك المهمة في اعتبار انّ المحامي العام التمييزي يعمل بصفته معاوناً للنائب العام التمييزي ويعمل تحت إشرافه وتوجيهاته… ولا يصح التحايُل على القانون أمام وقائع كهذه.
حجار خلفاً لعويدات؟
من جهة أخرى، لفتت مصادر قضائية مطلعة الى انه وفي حال إصرار رئيس مجلس القضاء، وهو الرئيس الاول التمييزي، على تكليف حجار مركز النائب العام التمييزي فإنه يُحدِث في ذلك سابقة لها محاذير كثيرة، في اعتبار انّ هذا المركز، ونظراً لأهميته، يعيّن في مجلس الوزراء. وبالتالي، فإنّ تفرّد الرئيس الأول التمييزي بتكليف أحد القضاة هذا المنصب له دلالات خطرة في هذه المرحلة الدقيقة، حيث ان الانظار مُنصبّة على وزارة العدل كي لا يستَغلّها الافرقاء السياسيون كما هي الحال في دعوى المرفأ… فضلاً عن أن تكليف القاضي حجار سيؤثر على تشكيل الهيئة العامة للتمييز حيث تتجمّع دعاوى المرفأ والمصارف، وسيتوقف بنتيجته المجلس العدلي عن العمل بالإضافة الى توقف عمل محكمة التمييز الجزائية.
امام هذه الوقائع ما تزال الصورة في النيابة العامة التمييزية مُبهمة بعد مغادرة عويدات، في وقتٍ ترجّح مصادر متابعة للملف أن تتجِه الأمور إلى إبقاء المركز شاغراً، على أن يتابع المحامون العامّون أعمالهم ضمن إطار توزيع الأعمال والمهمات والدعاوى التي بين أيديهم إلى حين إتمام الاتفاق على تعيين خلف لعويدات ضمن تشكيلات قضائية شاملة.
مصير الـ 69 قاضياً ؟!
على صعيد آخر، وفي معلومات لـ”الجمهورية” فقد حسم البحث في ملف انتداب الـ69 قاضياً بعدما كان وزير العدل يتجه الى إلحاقهم في مراكز متعددة كتدبير اداري لمساعدة قضاة التحقيق، الا انه تم التوافق بينه وبين رئاسة مجلس القضاء على آلية توزيع انتداب هؤلاء على قصور العدل في لبنان، وبات مشروع الانتدابات في عهدة مجلس القضاء الاعلى بعدما أحاله وزير العدل إليه لتحويله أمس الأول.
ووفق مصادر وزارة العدل فإنّ هؤلاء القضاة، إذا ما ثبّتَ مجلس القضاء الاتفاق على انتدابهم وفق التوزيع المتفق عليه، سيتسلّمون قريباً مراكزهم الجديدة التي تم بموجبها مراعاة قربها من أماكن سكنهم الا اذا انعكست “فركشة” انتدابات المراكز القضائية الأساسية الخمسة على انتدابات هؤلاء، فعندئذٍ سيعمد وزير العدل، وفق مصادره، الى إلحاقهم بالمراكز نفسها المُتّفق عليها ولن يُبقيهم يوماً واحداً إضافياً من دون عمل في قصر العدل.