ما إن تعود القضية الفلسطينية إلى الواجهة حتى يعود حديث “التوطين” إلى لبنان، وما إن يبدأ الحديث عن مساعدات مالية مشروطة للبنان حتى يربطُها بعض اللبنانيين “بالتوطين” أيضاً، فيجعلون من هذه الكلمة وسيلةً للتلاعب بعقول ومشاعر الرأي العام لمآرب لا علاقة لها بالمصلحة اللبنانية أبداً.
أصبح واضحاً أن عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى بلادهم لن تكون متوافرةً بالوسائل الديبلوماسية ومعاهدات سلام مع إسرائيل، وإذا كان هناك من وسيلة متاحة فهي فرضُ هذه العودة بقوة السلاح وهو أمر لم يُقدم عليه دعاتُهُ بعد، رغم تكرارهم أن الغلبة على إسرائيل ومحوَها من الوجود أصبح أمراً متاحاً في خلال دقائق كما يدعون، والسؤال المطروح لماذا لم يبادروا بعد فيسقطون كل الاتفاقات والصفقات وآخرها صفقة القرن وتنتهي نغمة التوطين إلى غير رجعة.
منذ العام 1948 والفلسطينيون يعيشون في لبنان، وأصبح لبنان بمثابة وطن لهم، فيه يبقونَ أو يهاجرون إلى أصقاع العالم وغالبيتهم ترغبُ بالهجرة أمس قبل اليوم، فهم في البداية يفتشون عن هويةٍ وعن استقرارٍ وعن حياة كريمة ومعظمها أمور لا تتوافر لهم في لبنان وهي بالكاد متوافرة للبناني.
إن عيشَ الفلسطينيين في لبنان طوال هذه السنوات هو التوطين بحد ذاته ولا يمكن تسميته تسمية أخرى، وهو توطينٌ مستمر بصفقة قرن أو من دونها، بمساعدات مالية أو من دونها، فلماذا تريد الولايات المتحدة مثلاً وهبَ لبنان المزيد من الأموال كي يبقى الفلسطينيون على أرضه وعدم العودة إلى فلسطين، وهم في كل الحالات باقون؟
قد يذهب البعض إلى القولِ إن أمولاً ستدفع للبنان كي يقبل بتجنيسِ الفلسطينيين كي تكتمل عملية التوطين.
هذا الأمر لا يُمكن أن يحدث إذا كان من في الحكم لبنانيين بالفعل، وإذا لم تأت أي أطراف لبنانية لتقف في صف تجنيس الفلسطينيين تحت شعارات مختلفة، فالتجنيس لا يمكن أن يتم من دون تواقيع رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة ووزير الداخلية كما حدث في المرسوم الشهير، على أيام الراحلين الياس الهراوي ورفيق الحريري في العام 1994 والذي أصاب الديموغرافيا اللبنانية بأضرار فادحة، ويومها لم تسمع أصواتُ اعتراض سوى من جهات مسيحية، بينما ساد الصمت لدى باقي الفرقاء المسلمين فهل هناك اليوم من هو على استعداد لتكرار هذه التجربة؟
لقد قدم المجتمع الدولي للبنان أموالاً من أجل أن ينقذ نفسه من أوضاع مالية واقتصادية سيئة، من باريس 1 إلى 2 و3 إلى وعود في “سيدر”، وكانت الشروط الوحيدة تتعلق بإصلاحات ولم يأتِ أحد على ذكر التوطين كشرط من الشروط ولن يكون شرطٌ كهذا، ولكن شعار التوطين لدى أصحاب “السلاح والكفاح” سيبقى أشبه بالمثل اللبناني “عنزة ولو طارت”.