Site icon IMLebanon

الإخوان المسلمون… وفلسطين!

 

 

على هامش زيارته للبنان، قال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية، في جلسة مغلقة، إن الحركة ليست جزءاً عضوياً ممّا يُعرف بـ«التنظيم العالمي للإخوان المسلمين». وأضاف: «نحن لدينا قضية كبيرة اسمها فلسطين، ولم يعد ممكناً ربط مواقفنا السياسية مما يجري في العالم بمعزل عن تأثير ذلك على القضية الفلسطينية. لذلك، فإن موقف حماس صار أكثر وضوحاً. لن نقرر موقفاً من شخص أو جهة أو حكومة أو دولة بسبب طريقة تعامله مع الإخوان. نأخذ ذلك في الاعتبار، لكن الأساس في موقفنا من هذه الجهات هو موقفها من المقاومة ضد الاحتلال الإسرائيلي».

 

كان هنية يريد أن يوضح، لمن يعترض، سبب العلاقة والتواصل بين الحركة والحكومة المصرية التي تنكّل بالإخوان المسلمين. حماس تنظر الى مصر ليس بوصفها قوة إقليمية كبرى فحسب، بل بوصفها القوة الأكثر التصاقاً بقاعدة رئيسية للمقاومة الفلسطينية، وهي قطاع غزة. وبالتالي، فإن للمقاومة في فلسطين مصلحة مباشرة في بناء علاقة مستقرة مع الحكومة المصرية لتوفير ما يحمي مصالح المقاومة في غزة، وما يحمي مصالح الفلسطينيين أيضاً.

موقف هنية هذا، ليس مردّه براغماتية تقليدية معروفة لدى قوى كثيرة في العالم العربي، ومن بينها «الإخوان». بل هو، من حيث التأصيل، موقف معبّر عن قرار الحركة توفير متطلبات حماية المقاومة كخيار وناس وأدوات. وبالتالي، فإن هنية يريد، ومن خلفه حماس، أن يتفهّم الآخرون، خصوصاً حركات «الإخوان»، الخصوصية التي تحتاج المقاومة الى حمايتها، من أجل حماية المقاومة نفسها.

الموقف الحمساوي من مصر له آثاره بما يتجاوز الواقع الجغرافي، بمعنى أن قيادة حماس تظهر رغبة جدية في إعادة تنظيم علاقاتها على الصعيد العربي، مع دول وأنظمة وحكومات وقوى وجهات وشخصيات، ربطاً بموقف هذه القوى من المقاومة. وقد ظهر ذلك جلياً في الحوار المكثف الذي أجرته قيادة حماس مع إيران وحزب الله بشأن العلاقة بين الحركة وسوريا. هنية أكد «أننا نريد استعادة كل العلاقة التفاعلية مع الحكومة السورية. نريد طيّ الصفحة، سواء راجعنا تفاصيلها أم قررنا جميعاً تجاوزها. نريد هذه العلاقة لأننا نعرف موقف سوريا من قضية المقاومة سابقاً وحاضراً، ولأن مصلحة المقاومة تقتضي ذلك، إضافة الى كوننا نعرف تأثير سوريا على الموقف العربي العام من قضية فلسطين».

يسترجع هنية تاريخ العلاقة مع دمشق، ويقول – براحة تامة – إن ما حصلت عليه فصائل المقاومة من دعم في سوريا لم تحصل عليه في أي مكان آخر من العالم: «كل ما كنا نحتاج إليه على صعيد تطوير قدراتنا وخبراتنا ومهارات كوادرنا، كنا نعثر عليه في سوريا. وكل ما نحتاج إليه كقيادة للبقاء في مكان آمن ومريح ويتيح لنا العمل من دون ضغوط وشروط، كنا نجده في سوريا. حتى النظام، الذي كانت لديه مشكلة كبيرة مع حركة الإخوان المسلمين في سوريا، لم يكن يعكس هذا الأمر علينا. وحين كان العرب والمسلمون يُمنعون من جمع التبرعات لدعمنا، سمح الرئيس بشار الأسد لأئمة المساجد بإطلاق حملة دعم كبيرة لنا… نريد العودة الى علاقات مميزة مع سوريا. لكننا نعرف دقة الظرف، ونعرف أن خطوة كهذه تحتاج الى جهد من قبلنا ومن قبل النظام أيضاً».

المهم، بالنسبة إلى هنية هو «أن سوريا تمثل ركناً استراتيجياً في الموقف العربي عموماً، ولو أن سوريا في وضع مريح، لما تجرأ المطبّعون على الذهاب الى هذه العلاقات مع العدو، ولكانت أمور كثيرة على غير ما هي عليه، وحتى مؤسسات العمل العربي مثل الجامعة العربية كان وضعها سيكون مختلفاً جداً». لذلك، يحسم هنية صورة الموقف من سوريا بالقول: «بالنسبة الينا، كحركة مقاومة، لا غنى عن سوريا».

 

مستقبل حماس كحركة مقاومة تحررية صار مرتبطاً بقرارات كبيرة تتعلق بأصل نظرة الحركة الى تنظيم «الإخوان المسلمين» عموماً

 

 

مناسبة استعادة هذا الجزء من الحديث مع هنية حول سوريا، هو الجدل الكبير القائم، ولو لم يظهر بقوة بعد الى السطح، حول واقع حركة «الإخوان المسلمين» في مواجهة حملة التطبيع الواسعة مع العدو، في العالمين العربي والإسلامي. ربما لا ينتبه كثيرون من أبناء بلاد الشام الى خطورة ما يجري في المغرب العربي. المشكلة، هناك، ليست فقط في تجاوز ملك المغرب الغالبية الشعبية الرافضة للتطبيع، بل في تصرفه، من موقع الضامن، على أساس أن القوة السياسية الأكثر شعبية، والتي قبل مرغماً بتوليها إدارة الحكومة، لن تبادر الى موقف معرقل لقراره. وبدا أنه محق في تقديره، ذلك أن موقف حزب العدالة في المغرب، أو الفرع الإخواني هناك، من قرار التطبيع مع العدو، يمثل فضيحة أخلاقية وسياسية يفترض أن تؤدي الى زلزال في قواعد هذه الحركة، وعلى مستوى كوادرها ومفكريها وعلمائها، وإذا لم يحصل ذلك، فسنكون أمام واقع جديد يعيد التحدي القديم حيال قدرة «الإخوان المسلمين» على قيادة حركة استقلال وطنية حقيقية.

إدانة حماس لقرار الملك المغربي، والانتقاد الكبير لموقف الحكومة، لا يعود كافياً في هذه اللحظة. صار لزاماً على حماس، باعتبارها آتية من رحم الإخوان، ولا تزال على صلة فكرية وعقائدية وسياسية مع غالبية فروعها، أن تطرح على نفسها التحدي المركزي: هل يمكن الاستمرار في هذا الواقع بعد الذي يحصل وسيحصل؟ على حماس أن تسأل ما الذي يفعله واحد من «محدّثي» و«مفعّلي» حركة «الإخوان» في العالم العربي، راشد الغنوشي، الذي «استنكر» التطبيع المغربي مع إسرائيل وكأنه مراقب أو ناشط سياسي. حتى إن الجميع التفت الى أن لهجة استنكاره لم تكن بالحدة نفسها التي انتقد فيها تطبيع الإمارات والبحرين مع إسرائيل. لكن، عملياً، يعكس موقف الغنوشي «حالة الإنكار» القائمة في أوساط القيادة العامة التقليدية للإخوان المسلمين، والتي تبدو أكثر اهتماماً بمكاسب سلطوية من كونها حركة تغيير كبيرة على مستوى الأمة. وهو موقف لا يمكن الاتكال عليه لتوفير عناصر حماية للمقاومة. حتى الكلام عن أن تونس لن تسير في ركب التطبيع، لا يعني أنه حكماً بسبب رفضها أو رفض حزب النهضة، بل لكون القوى النافذة في تونس، وفي مقدّمها رئيسها قيس سعيّد، أكثر جذرية في موقفهم من الاحتلال الإسرائيلي ومن دعم المقاومة.

بهذا المعنى، فإن التحدي أمام حماس، على وجه التحديد، ليس سياسياً، بمعنى العلاقات والمصالح المحدودة، بل هو تحد أكبر، يكاد يلامس المرجعية الفكرية التي تحدد الموقف السياسي. وقد يكون صادماً، أو غير مرغوب، القول إن مستقبل حماس كحركة مقاومة تحررية، تقود معركة هي الأكبر في فلسطين، وتتطلب جهوداً جبارة للصمود والانتصار، صار مرتبطاً بقرارات كبيرة تتعلق بأصل نظرة الحركة الى تنظيم «الإخوان المسلمين» عموماً، ومراجعة الموقف من فروع التنظيم، سواء منهم من ينشط في بلاد الشام ولا يعتبر المعركة مع إسرائيل أولوية، أم الذين ينتقلون الى موقع المهادن في دول المغرب العربي، أم اللاجئين في تركيا وقطر ممّن يلتزمون بشروط الصمت المطبّقة على اللاجئين السياسيين.