Site icon IMLebanon

النصر لفلسطين.. ولا شريك لها!

 

سقطت حسابات نتانياهو على بيدر الصمود الفلسطيني، وتحولت المواجهات البطولية في ساحات المسجد الأقصى وأطراف حي الشيخ الجرّاح في القدس إلى حرب صاروخية وصلت نيرانها إلى تل أبيب وأسدود وعسقلان ومدن إسرائيلية أخرى.

 

استطاع الفلسطينيون أن يُوجهوا ضربة قاسية للغطرسة العسكرية الإسرائيلية، وزادوا الوضع السياسي الداخلي في الدولة الصهيونية إرباكاً، عبر الضربات الصاروخية المتلاحقة، التي فاجأت الإسرائيليين بمداها وكثافتها، وقدرتها على تعطيل الحركة في مطار تل أبيب، بل وفرض نظام منع التجول في العاصمة التي كانت تُعتبر حتى الأمس القريب بأنها مُحصنة بنظام القبة الحديدية، والوسائل الدفاعية الأرضية والجوية.

 

صحيح أن خسائر الفلسطينيين البشرية والمادية والمدنية في قطاع غزة تفوق عشرات المرات ما لحق بالكيان الصهيوني من أذى، بسبب الفارق الكبير في القدرات العسكرية والنارية بين الطرفين، ولكن الأصح أيضاً، أن الطرف الفلسطيني إعتاد على تحمل الخسائر الباهظة لأي عدوان إسرائيلي غاشم، في حين أن الطرف الإسرائيلي شعر لأول مرة بأن دولته تتعرض لحرب حقيقية، نشرت الرعب في أوساط مواطنيه، ليس في المستوطنات الحدودية والمناطق الوسطى وحسب، بل اجتاح الذعر أسواق تل أبيب وشواطئها، وشاهد العالم أجمع جموع الهاربين هلعاً عن شواطئ العاصمة وصفارات الإنذار تُلعلع في المدينة.

 

نتائج الحرب الإسرائيلية  – الفلسطينية لا تُقاس فقط بالمعايير العسكرية الصرفة، وحسابات الربح والخسارة في ميادين الحرب، بقدر ما تُعتبر النتائج السياسية والجيوبوليتيكية هي الأساس في تقييم أية مواجهة عسكرية بين طرفين.

 

لا داعي للتأكيد أن المواجهات التي إندلعت في باحات الأقصى، وتحولت إلى حرب مدمرة، قد أخرجت القضية الفلسطينية من أدراج الإهمال، وحررتها من قيود التسويات المهينة، وتجاوزت بأشواط الخطوات الخيالية التي حققها الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب لحليفه نتانياهو، لا سيما بنقل السفارة الأميركية إلى القدس، والإعتراف بها كعاصمة للكيان الصهيوني، وضم الضفة والجولان، ونقض مشروع إقامة الدولتين المعتمد من واشنطن ودول مجلس الأمن، وفرض التطبيع مع بعض الدول العربية، وقطع المساعدات عن السلطة الفلسطينية ومقاطعتها وإغلاق مكاتبها في واشنطن، فضلا عن وقف مساهمات واشنطن المالية في «الأونروا».

 

لقد تأكد للإسرائيليين في الداخل، ولعواصم القرار في الخارج، أن الإسرائيلي لا يمكنه أن ينعم بالاستقرار والأمن والسلام وحده، طالما أن الفلسطيني يُعاني هذا الواقع غير الإنساني من الذل والاضطهاد وقضم الحقوق البديهية، والتعدي على أملاكه وحياته، والتهديد المستمر لأمنه وسلامة عائلته.

 

كما تأكد للقاصي والداني، أن جذوة النضال الفلسطيني لا تخبو مع مرور الزمن، بل هي تزداد توقداً واشتعالا مع الأجيال الشابة، التي تتسلم الشعلة من الأسلاف، ويمضون بها قدماً إلى الأمام، غير عابئين بفداحة التضحيات. وثورة الأقصى الرمضانية لم تُفجرها أجيال نكبة ٤٨ ولا نكسة ٦٧ ولا إنتفاضات أبو جهاد المتتالية في الثمانينات، ولا الرجال الذين رافقوا نضال أبو عمار حتى وصوله إلى رام الله وإقامة السلطة الوطنية، بل كانوا من الأجيال الجديدة الرافضة للواقع الإنقسامي الفلسطيني، ولسياسات التخاذل والتخلي العربي، والمؤمنين بعدالة فضيتهم وحقوقهم المشروعة في حياة كريمة بعيداً عن إذلال الاحتلال، وتعديات المستوطنين.

 

وجاءت إنتفاضة اللد وعكا وحيفا ويافا، لتؤكد مرة أخرى أن التلاحم الوطني بين فلسطينيي ٤٨ والضفة وغزة أقوى من التآكل على مر السنوات، بل هو يزداد قوة كلما عصفت الخلافات بالقيادات الفلسطينية التي مزقت الأرض، وتكاد تُشتت الشعب، فيما العدو ينهش بالجسم الفلسطيني من كل صوب.

 

أما الأبعاد الإقليمية لحرب غزة فهي على جانب كبير من الأهمية على إيقاع التطورات المتسارعة، سواء بالنسبة لمفاوضات فيينا لإعادة تعويم الإتفاق النووي الإيراني، أم بالنسبة لتحديد مواقع النفوذ لكل دولة على خريطة المنطقة.

 

وبدا واضحاً أن صواريخ غزة ساعدت على تأمين حضور لافت لإيران، تُحاول طهران منذ فترة تحقيقه، على حساب الفراغ العربي المتزايد على الخريطة الفلسطينية، الأمر الذي من شأنه أن يُفوّت على الجانب الفلسطيني فرصة قطف ثمار صموده وتضحياته وإنتصاره في هذه الحرب الباهظة الأثمان.

 

كما أن عدم إسراع القيادات في فتح وحماس لتجاوز الخلافات والمناورات السلطوية، الفئوية والأنانية، من شأنه أن يُجهض الأبعاد الوطنية الكبيرة للصمود الفلسطيني، خاصة في حال إصرار حماس على التفرد في إدارة نتائج المواجهة وحدها، دون السعي إلى تحقيق وحدة الموقف الفلسطيني التي طال انتظارها، والتي كانت من مبررات بعض الأشقاء لإشاحة الوجه عن القضية الأم.

 

فلسطين انتصرت على الهزائم والإهمال… المهم أن يبقى هذا الانتصار من حق الشعب الفلسطيني وحده، دون إدعاءات شريك من هنا، أو متطفل مُستغل من هناك، وعلى القيادات أن تكون بمستوى تضحيات هذا الشعب الجبّار بصموده وتمسكه بحقوقه الوطنية والإنسانية المشروعة.