Site icon IMLebanon

بين السلم والحرب والأجندات

 

أيهما يفيد القضية الفلسطينية أكثر؟ الاكتفاء بالتظاهر السلمي لمواجهة الاغتصاب الإسرائيلي المتكرر والتطرف الصهيوني البغيض أم فتح الجبهات ليصبح المغتصب وصاحب الحق وجهين لعملة واحدة، ما يستوجب من المجتمع الدولي دعوتهما إلى التعقل ووقف التصعيد؟

 

هل تكفي التظاهرات والعبارات الموجوعة التي يفترض أن تهز الضمير العالمي في مسيرات التشييع لضحايا قتلهم الاحتلال الذي يحظى باعتراف غالبية الدول به؟

 

هل يعيد الإحتجاج السلمي الأرض إلى شعب أعزل يرفض أن يموت أو يندثر على الرغم من محوه عن الخريطة وشرذمته ورميه في مخيمات تفتقر إلى أدنى الحقوق الإنسانية ودفعه إلى الانتحار الجماعي؟

 

أم أن المطلوب محور يضع الفلسطينيين في معسكرين صراعهما يؤدي إلى تمييع القضية، ويمد المعسكر الذي يغذيه ببعض الصواريخ ليبقي نضاله على قيد الحياة من دون أن يوقف المشاريع الصهيونية السائرة من نجاح إلى نجاح على مدى 75 عاماً؟

 

إيهما يفيد أكثر؟ إستخدام الفلسطينيين ورقة في مخيمات لبنان وتزويدهم بالأسلحة ليتقاتلوا أو يتحولوا إرهابيين وفق متطلبات أجندة المحور، فيقضوا بأنفسهم على قضيتهم، أم مواجهة الاحتلال في عكا وحيفا ويافا مطالبين بحقوقهم كمواطنين وبشر؟

 

أم أن الحل يكمن فقط في صواريخ القسام وإعلانها حرباً مفتوحة حتى النصر واستعادة الوطن السليب؟

 

ماذا عن إبقاء النضال داخل الحدود التاريخية لدولة فلسطين والجمع بين السلم والحرب في خطة واحدة متماسكة تربك الكيان المغتصب وتدفعه إلى إعادة حساباته؟

 

لعل هذا الاحتمال هو الأقرب إلى الأحلام الجميلة جداً، بحيث يصعب تصديق إمكانية حصوله.

 

حلم جميل أن تدعو وزارة الخارجية الأميركية المواطنين الأميركيين إلى “تجنّب الذهاب إلى إسرائيل” بسبب تصاعد العنف في الأيام الأخيرة بين الإسرائيليين والفلسطينيين. فيشعر الكيان الصهيوني بمعاناة الدول العربية الممزقة بفعل حروب ليس بريئاً منها.

 

وحلم أجمل أن ترتفع وتيرة التحرك الشعبي الفلسطيني في عمق الكيان الصهيوني ليفضح ممارساته ويربكه ويدفعه إلى إعادة حساباته. فالثورة من الداخل أهم بكثير من الجولات الاستنزافية التي تبدأ بالتهليل والهتافات والإنتصارات الوهمية وتردي الأوضاع المعيشية، وتنتهي على طاولة مفاوضات تبيع وتشتري على حساب القضية بما يؤمِّن مصالح من يلهب المحاور ويمد بالسلاح الحاضرين لخدمته مقابل النفوذ.

 

بالتأكيد لن يستعيد فلسطين إلا أهلها. فقد أثبتت التجربة أن حروب الآخرين تحت عنوان “تحرير القدس” هي رهينة أجندات إقليمية آخر همومها القدس والقضية من أساسها.

 

وبالتأكيد أن من حمل هذا العنوان خدم إسرائيل أكثر مما خدم القضية، لأن جهوده انصبت على إضعاف العالم العربي وزجه في حروب تدميرية بعيدة عن القدس وتهديده وزعزعة أمنه بحيث أصبح التطبيع مع إسرائيل وسيلة من وسائل الحماية من شرور المحور.

 

وباليقين الذي لا شك فيه، طريق القدس لا تحول دون نهضة الشعوب العربية في ظل الديموقراطية والنمو والعدالة الاجتماعية. كما أن هذا الطريق لا يمر بالقصير وحلب وبغداد وكربلاء وصنعاء وشحنات الكبتاغون وتبييض الأموال وإفقار الشعوب. وليس بالحروب المذهبية التي يمولها المحور ويموت فيها العرب، أكانوا سنةً أم شيعة أم مسيحيين.

 

وليس صحيحاً أن رأس المحور بصواريخه “المتوحشة” يستطيع القضاء على إسرائيل بعشر دقائق، فهذا الهراء الشعبوي لا يعيد إلى الفلسطينيين أرضهم السليبة وحقوقهم المغتصبة… ولا تستعاد الأرض إلا بوحدتهم وليس بانقساماتهم وصراعاتهم الدموية.

 

حينها فقط يصبح ممكناً تصويب البوصلة باتجاه القدس.