Site icon IMLebanon

حرب غزة ستطول ويد حماس أطول.. والوقت ضد إسرائيل

 

كان المطلوب من إخلاء حي الشيخ جرّاح في القدس أن يكون خطوة في مسار تكريس سطوة إسرائيل على المدينة المقدسة فأصبح فاتحة مسار مختلف مع «حرب القدس» التي بادرت إليها المقاومة في غزة وما زالت متحكمة بمسارها حتى الآن. لم ينفع اظهار القوة في المناورة غير المسبوقة التي اعلنت إسرائيل عن اجرائها لمدة شهر على جبهات الشمال (مع لبنان وسوريا) والجنوب (غلاف غزة) والجبهة الداخلية ولا زهو القيادة الاسرائيلية بانجاز تفجير مفاعل نطنز في ايران واغتيال كبير العلماء النوويين الإيرانيين محسن فخري زادة، في الامساك بزمام المبادرة اذ سرعان ما ألغت اسرائيل المناورة التي إحتاج التحضير لها فترة أشهر طويلة وكان يُقدر أن تكون الأضخم في تاريخ الكيان العبري، وبالتالي شاهدنا كيف انهار كبرياء الجيش الإسرائيلي امام قرار المقاومة الفلسطينية الشجاع بخوض الحرب دفاعاً عن القدس. ‎بعد مضي أسبوع يمكن تسجيل جملة نقاط وملاحظات في مجرى هذه الحرب: ‎أولاً؛ خلافا لحروب غزة الثلاثة (2008 و2012 و2014) التي بدأتها اسرائيل وأنهتها في اوقات حدّدتها وفقا لمصلحتها، هذه المرة، بادرت المقاومة إلى وضع يدها على الزناد وسط استخفاف اسرائيلي بقدرتها، وقرنت المقاومة انذاراتها باطلاق صواريخ على عسقلان ثم على القدس، وتبين انها كانت قد وضعت مسبقاً خطة عمليات محكمة، وجرّت اسرائيل من وضعية الفعل الى وضعية رد الفعل. ‎ثانياً؛ حدّدت المقاومة هدفاً هو حماية حي الشيخ جراح والمسجد الاقصى، اي حماية مدينة القدس وهو هدف يختلف عن اسباب حروب غزة الثلاثة التي كانت تتعلق فقط بغزة. ‎ثالثاً؛ نجاح المقاومة في اطلاق الصواريخ وايصالها الى اهداف في العمق الاسرائيلي. فقد كشفت الدفعة الاولى المؤلفة من سبعة صواريخ والتي سقط ستة منها في محيط القدس (اعترضت القبة الحديدية صاروخا واحدا فقط) عن خلل في اداء الدفاع الجوي الاسرائيلي، وهو ما حاولت القيادة العسكرية التغطية عليه بالقول ان عطلاً تقنياً طرأ على القبة الحديدية وهو كلام غير علمي وغير مقنع ولا يبرر اهمال اطقم الدفاع الجوي او ضعف كفاءاتها. غالب الظن ان بنيامين نتنياهو زار وحدات القبة الحديدية والتقط صورا مع الجنود من اجل رفع معنوياتهم بعد التقصير في اعتراض الصواريخ التي اطلقت على القدس.

‎ثمة تقديرات أن القبة الحديدية فاعلة وتعمل بكامل طاقتها التي تصل الى اعتراض ما بين 85% و90% من الصواريخ ويكفي المقاومة سقوط ما بين 10% الى 15% من الصواريخ على تل أبيب مثلاً لإحداث خسائر ونزول السكان الى الملاجىء ووقف حركة الطيران في مطار بن غوريون. ‎رابعاً؛ ظهور نوع جديد من الصواريخ هو «عياش 250» الذي انطلق من غزة وسقط على مسافة 230 كلم في مطار رامون قرب ايلات على خليج العقبة. كما ان اعلان اسرائيل عن انطلاق ثلاثة الاف صاروخ من غزة على اسرائيل يكشف عن خلل استخباري عسكري في اسرائيل منع كشف القدرات الصاروخية للمقاومة وفاجأ رئاسة الاركان والمستوى السياسي (‎يتحمل افيف كوخافي مسؤولية مزدوجة لانه كان رئيساً للاستخبارات العسكرية قبل أن يصبح رئيساً للاركان). خامساً؛ اعلان اسرائيل عن انطلاق صواريخ من غزة باتجاه منصات الغاز الاسرائيلية قبالة الساحل الفلسطيني وانه تم توقيف العمل بحقل تمار خشية حدوث حرائق. وبهذا تلقت اسرائيل ضربة غير محسوبة تهدد ثروتها الغازية وتجعل الشركات الدولية تعيد تقييم مشاركتها في مناقصات مقبلة بسبب «البيئة غير الآمنة للإستثمار». وفي المجال البحري اعلنت اسرائيل عن حيازة حماس غواصة صغيرة موجهة تحمل خمسين كلغ من المتفجرات. وعلى ما يبدو فان ‎الجبهة ستفتح في البحر ايضا. ‎سادساً؛ ثبت حتى الآن عجز اسرائيل عن القيام بهجوم بري لاعادة إحتلال غزة. لا شك ان توازن القوى العسكري يميل لمصلحة اسرائيل بشكل واضح الا ان الهجوم البري لا بد ان يشمل التحاما بين القوى المدافعة والقوى المهاجمة، وهذا يرتب حصول خسائر في الارواح وربما وقوع بعض الجنود الإسرائيليين في الاسر، مما يفاقم المأزق الإسرائيلي لا سيما بعد تجربة حي الشجاعية في العام 2014 حين تراجعت وحدة «غولاني» المهاجمة بعد سقوط خسائر في صفوفها بينهم قائد القوة المهاجمة. فهل تحتمل اسرائيل سقوط العشرات وربما المئات على تخوم غزة؟ ‎سابعاً؛ إستعاضت اسرائيل عن الهجوم البري بترويع الفلسطينيين بتدمير ابراج غزة وهي جزء اساسي من المشهد الوطني للمدينة وذلك لارهاب الفلسطينيين وارضاء الجمهور الصهيوني المتعصب كما قامت بقصف منازل وقتل عائلات بكاملها بهدف ايلام اهل غزة ودفعهم الى مطالبة المقاومة بوقف العمليات والرضوخ للشروط الاسرائيلية.

‎ثامناً؛ يمكن القول ان المقاومة استعاضت عن التفوق العسكري والجغرافي الاسرائيلي بتوازن غير متماثل Asymmetric Balance. وهذا يعني ان المقاومة قادرة من خلال نسبة الـ10 او الـ15% (الصاروخية التي تتجاوز القبة الحديدية) على إصابة اهداف حيوية في ما تسمى «اسرائيل المفيدة»، اي تل ابيب ونتانيا والخضيرة وريشون لتسيون وهولون وغيرها وتعطل الحياة فيها، بالاضافة الى القدس الغربية وبئر السبع… إلخ.

تاسعاً؛ تصاعد هبة مدن وقرى الضفة الغربية واقترابها من انتفاضة واسعة تشغل القيادة الاسرائيلية وتحدث تحولا في المشهد الفلسطيني وتعيد القضية الفلسطينية الى الصدارة على مسرح الشرق الاوسط وعلى المسرح العالمي ايضا.

عاشراً؛ اخطر ما رافق هذه الحرب بل تلازم معها هو انتفاضة فلسطينيي اراضي 1948 وهلع القيادة السياسية الاسرائيلية من نشوب حرب اهلية بين العرب واليهود يقضي على «صورة اسرائيل». لن ينفع نتنياهو وصف ما يجري في الداخل انه اعمال شغب وخروج على القانون لان قانون يهودية الدولة الذي اقره الكنيست الاسرائيلي في العام 2018 كرّس ويكرّس نظام التمييز العنصري. ‎حادي عشر؛ ما نشر عن الغاء شركات طيران عالمية رحلاتها الى اسرائيل والغاء الرحلات البحرية السياحية التي تمر باسرائيل والتوقف عن دخول بواخر النفط الى ميناء اسدود يؤشر الى تراجع مثير في صورة اسرائيل الملاحية في العالم وهو امر غير مسبوق. وكان لافتاً للإنتباه إرسال البنتاغون طائرة عسكرية اميركية سحبت 120 جنديا اميركيا من اسرائيل الى المانيا، في اجراء يكشف عن ضعف الثقة الأميركية باسرائيل وتآكل الردع الاسرائيلي. ‎ثاني عشر؛ مع غياب الوساطات الجدية من جهة وإستمرار الضربات التدميرية التي تستهدف غزة من جهة ثانية، ظهر رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ووزير الامن بني غانتس ورئيس الاركان افيف كوخافي في اطلالات تلفزيونية متتالية أظهرت إفتقاد القيادة السياسية والعسكرية إلى خطة عمل واضحة. اللافت للإنتباه أنهم كرروا كلاما عاما لا يبدد قلق الجمهور الاسرائيلي كما تحدثوا عن ضرب الانفاق من دون تفاصيل. سبق ذلك تعميم أنباء متضاربة حول قصف شبكة كبيرة من الانفاق وقتل المحاصرين داخلها. لقد بدت على لغة الجسد لكل من القادة الثلاثة ملامح إرتباك‎ يمكن لاي متابع ملاحظتها. لم يتصور الثلاثة ان يوما سيأتي تتعرض فيه اسرائيل للقصف سواء في عمقها في تل ابيب او في منصات الغاز العائمة ومن اين؟ من غزة المحاصرة. وممن؟ من منظمة حماس التي وضعتها الولايات المتحدة واوروبا وبعض الدول العربية على لائحة الارهاب. ‎ثالث عشر؛ يشير خجل التحركات السياسية ومحاولات الوساطة (لا سيما المصرية) الى ان الحرب سوف تستمر لفترة طويلة وستؤدي الى وقوع خسائر في صفوف الفلسطينيين وإلى تراجع مستمر في صورة اسرائيل التي لن تعود قوة اساسية ومهيمنة في الشرق الاوسط بعد فشلها في غزة، وربما يبدأ الاقتصاد الاسرائيلي المدعوم اميركياً وصهيونياً بالانهيار بعد توقف السياحة ووقف تدفق الغاز وارتفاع كلفة الحرب وتآكل الاستقرار الداخلي والانغماس في مواجهة انتفاضة الضفة الغربية ومعضلات الداخل (مناطق 1948). ‎بإختصار، يلعب عامل الوقت لمصلحة الفلسطينيين اذا صبروا وليس لمصلحة الاسرائيليين، ناهيك عما يمكن أن يطرأ من مفاجآت (عسكرية وسياسية) لمصلحة العامل الفلسطيني.