فيما تنهمِرُ الصواريخ والقذائف الإسرائيلية حُمَـماً تدمّـر قطاعَ غـزّة وتفّتِـكُ بالشعب الفلسطيني العربي…
هل يتجـرَّأُ أحدٌ ويطرح السؤال على قادة العالم العربي والإسلامي: عن الصواريخ والقذائف العربية التي دمّـرت المدن العربية، وعن الدماء العربية التي أُهرِقتْ بالسيف العربي…؟
هل يسألُ أحدٌ عن ملايين العرب الذين كانوا ضحيَّـة القتل العربي والإقتتال العربي، والتهجير والإعتقال، والتنكيل والإغتيال، والذين تشرّدوا في الأرض شراذِمَ ومرتزِقة عند السلطان…؟
هل يجرؤ أحـدٌ على إحصاء أطنان القذائف العربية والذخائر والصواريخ التي إجتاحَتِ الشعوب العربية، ويسأل: لو أنّ بعضَ بعضِها تساقط على الشعب الإسرائيلي، أَفَـما كان تحوَّل إلى شعب الشيطان المختار…؟
وإلاَّ… فماذا لو تشبَّهَ بعضُ العرب بدولة الإمارات العربية في توجيه الصواريخ إلى المرّيخ بـدل أنْ يوجِّهوها إلى صدورهم…؟
يوم كان وجـهُ لبنان حضارياً كمثل ما رسمتْهُ ريشةُ اللـه، وقبل أنْ يُصبح وجـهُ لبنان العربي مشوَّهاً بمبضع الجرَّاحين، كنتُ أقول مفتخراً: عربيٌّ أنـا.
كنتُ أفتخر بعروبتي، يوم كنّا منارةَ العالم العربي، ويوم أطلق آبائي وأجدادي حضارة القومية العربية، ويوم أنقذوا اللغة العربية من التَتْـريك، «وعلى أقلامهم كانت حركة التحرّر العربي، فشاعَ على ألسنةِ الناس طائفةٌ جديدة من الكلام: مثل وطـن ووطنية وأمّـة واستقلال وحقوق إنسان(1)…»
وكنتُ أفتخر بذلك الوجه المسيحي العربي يـوم قيل: «لولا الجمعيات الأدبية والقلمية والقصائد الثورية التي اقتصرت على اللبنانيين المسيحيين، لبقيتِ الفكرة القومية العربية بعيدةً من العرب(2)…»
كنتُ أفتخر برجال لبنان العرب، وبوجْـهِ لبنان الحضاري العربي والثقافي العربي والسياسي العربي والصحافي العربي، والمسلم – المسيحي العربي الذي يجسّد لقاء حضارة العالم كلّـه في وطـنٍ واحد.
واليوم، بما آل إليه وجـهُ لبنان وصولاً إلى عهد الرئيس القوي، بـتُّ أُخبِّـيءُ وجهي العربي بالحجاب خجلاً، وبالكمامات خوفاً من الوباء.
عربـيٌّ أنـا… ومع أيِّ عـرب…؟
مع العـرب الذين أصبحوا قبائل متنازعة كمثل ما كانوا في الجاهلية، يفاخرون بالغزو، ويرتزقون بالسيف، وإذا لم يجدوا عـدواً أغاروا على أنفسهم كما يقول الشاعر القطامي:
وأحياناً أَغـرْنا على أخينا إذا ما لـمْ نجدْ إلاَّ أخانـا
وبهذا يقول نـزار قباني: «لماذا يقاتل العـربُ العـربَ، ويقاتلُ التاريخُ التاريخ، والقبيلةُ القبيلة، ولماذا يفترس الإسلام نفسه وتنفجر العروبة من داخلها بسيارة مفخّخة(3)…؟»
وهل يسأل سائلٌ مع نـزار قباني: لماذا راحت دُولٌ عربية، تعقد أحلافاً مع ألـدِّ أعدائها إسرائيل…؟ أليسَ لأنّ «أخانا أغـار على أخينا…؟»
عندما عُيِّـنَ اللواء أحمد الحاج قائداً لقوة الـردع العربية في لبنان سنة 1976، إعترض مصدرٌ فلسطيني قائلاً: «إنّ أحمد الحاج هو عسكري لبناني لا عسكري عربي…»
يومها أعلن سعيد عقل أنه يمنح جائزته الشهرية لهذا المصدر الفلسطيني.
لبنانية سعيد عقل: هي التي أطلقت النفير للشعب الفلسطيني: «أجراسُ العودة فلتُقْرع».
ولبنانية أحمد الحاج هي التي عبّـر عنها الفيلسوف كمال يوسف الحاج بقوله:
«في لبنان لبنانان لبنان اللبناني ولبنان العربي(4)…»
إذاً… أيَّ لبنان تريدون…؟

1 – «الفكر العربي الحديث»: رئيف خوري: ص: 214 – 223.
2 – «يقظة العرب»: الدكتور: ناصر الدين الأسد _ إحسان عبّاس.
3 – نـزار قباني: من قصيدة «المتنبي وأم كلثوم على قائمة التطبيع».
4 – كمال يوسف الحاج: في غـرّة الحقيقة: ص. 48.