لن تستطيع حركة “حماس” الإجابة عن طبيعة الانفجار في مخيم برج الشمالي. لكنها يجب أن تراجع نفسها لتسأل عن مبررات هذا النوع من الوجود “غير السياسي”، وكيف أنه يطيح أي تطور إيجابي في الوضع الاجتماعي والحياتي للفلسطينيين في لبنان. ذلك أن الفصل بين طبيعة الوجود ونوعية الحقوق مصطنع ومستحيل.
يفقد الفلسطينيون حجة أخلاقية وازنة بالاصرار على الوجود المسلح في المخيمات وعدم ايكال أمنها للجيش اللبناني، سواء وفقاً للقرارات الدولية، أو انطلاقاً مما تتطلبه سيادة الدولة المضيفة، أو تنفيذاً لإعلان الرئاسة الفلسطينية انعدام مبرر هذا السلاح. وهو ما لا يساعد في الدفاع عن قرار وزير العمل مصطفى بيرم اتاحة المجال للفلسطينيين بممارسة مهن كانت محظورة عليهم.
وبعيداً عن كون الوزير ينفذ أجندة “حزب الله”، وعن الحساسية المفهومة لفريق من اللبنانيين، وعن استخدام العونيين فزاعة “التوطين” لترميم انهيارهم التنظيمي والسياسي، وعن رفع بعض ناشطي “المجتمع المدني” اليسارويين سيف الاتهام بـ”العنصرية” قبل الاطلاع على وجهات النظر العاقلة والتفاصيل، فإن المسألة تتعلق مبدئياً بحقوق الانسان قبل أن تكون مساحة للمزايدات الحزبية ورفعاً للبيارق مرفقاً بأنشودة التضامن مع فلسطين.
لن تخرج قضية توسيع حق العمل من الجدل الداخلي. ولن يقنع المتعاطفون مع قضية الفلسطينيين ووضعهم الانساني، قبل خصومهم، بوجوب تسهيل حياتهم في المنفى اللبناني، إن لم يقرروا الانضواء تحت مظلة الشرعية، إذ أزف موعد امتناعهم عن أداء أدوار لمصلحة القريب والبعيد، وحان أوان التوقف عن استخدام لبنان ساحة مستباحة باسم مقاومة اسرائيل.
كل التعازي لحركة “حماس” ولأهل المخيم بضحايا الانفجار والتشييع. لكن المؤسف أن الحركة تكرر أخطاء منظمة التحرير في التسلح واستخدام لبنان منصة، فيما ظروف القضية الفلسطينية اختلفت جذرياً عن الستينات، وباتت الضفة والقطاع مكانين متاحين لممارسة العمل السياسي والعسكري. لذا، ليس مقبولاً أن تنشط الحركة عسكرياً في لبنان فتدرب عناصر وتخزن ذخائر معتبرة نفسها فوق أي اعتبار دولتي لبناني، لمجرد انها حليفة لـ”حزب الله” وجزء من المحور الايراني.
لم تتعلم التنظيمات الفلسطينية من الدروس المريرة التي تلقتها، سواء أثناء تورطها الكارثي في حروب لبنان، أم إبَّان تحمل مخيمات اللجوء مشقة الحصار الذي فرضه عليها النظام السوري والمنظومة الفاسدة التي تولت السلطة منذ الانقلاب على الطائف. ويبدو أن هناك من نسي أن ظلم ذوي القربي كان أشد مضاضة. فمنعُ أهل المخيمات طوال تلك السنوات من مقومات الحياة الأولية ووصمهم بالتكفير والارهاب سببان كافيان لاستخلاص العبر والتوقف عن الانجرار في مشاريع لا مصلحة وطنية فلسطينية فيها، ناهيك عن تعديها على سيادة لبنان.
إذا كانت “حماس” مهتمة بأوضاع الفلسطينيين، فيجب ان تشكر وزير “حزب الله” وألا تنسى التمني على “الحزب” إعفاءها من الأجندة الاقليمية التي أنهكت لبنان ولم تحرر شبراً واحداً من فلسطين.