كان من المفترض ان يشكل رفع العلم الفلسطيني أمام مبنى الأمم المتحدة حدثاً استثنائياً تاريخياً ليس بالنسبة الى الشعب الفلسطيني وحده بل الى كل من آمن بعدالة القضية الفلسطينية ودافع عنها وضحى في سبيلها، وان يثير من جديد الجذوة التي كادت تنطفئ لنضال الفلسطينيين من اجل دولتهم المستقلة، ويحارب مشاعر الاحباط واليأس، وان يقول للفلسطينيين إن حلمهم بالدولة لن يموت وإن أملهم سيتحقق. ولكن على رغم مظاهر الفرح التي عمت الفلسطينيين أمام مشهد علم فلسطين يرفرف بين اعلام دول العالم، فان هذا لم يبدد، وياللأسف، الشعور العام بأن مشروع الدولة الفلسطينية لا يزال بعيد المنال.
عندما سألت زميلاً فلسطينياً من الذين كرسوا حياتهم للدفاع عن القضية الفلسطينية عن شعوره لدى مشاهدة العلم الفلسطينين يرفرف في فناء الأمم المتحدة، وجم لحظات قبل ان يجيبني بأنه ربما تضاءل احساسه بالظلم والاجحاف الدوليين وان الأمم المتحدة اعادت اخيراً الاعتبار الى قرار التقسيم، ولكن في رأيه ان طريق النضال لا يزال طويلاً.
لقد رفع العلم الفلسطيني وقت غابت تماماً القضية الفلسطينية عن الجمعية العمومية للأمم المتحدة. فلا الرئيس الروسي توقف عندها، ولا باراك أوباما اتى على ذكر فلسطين والتسوية السلمية بكلمة واحدة، وحتى الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند الذي تتبنى بلاده مبادرة خاصة للتسوية السياسية تحدث عن نزاعات قديمة مستمرة من غير ان يسمي النزاع الفلسطيني مع إسرائيل.
الجميع كانوا في انتظار “القنبلة” التي سيفجرها محمود عباس رئيس السلطة الفلسطينية في خطابه، لكنه لم يفعل، بل طرح قنبلة من نوع مخالف جداً، فقد طالب إسرائيل في حال استمرار الجمود في العملية السلمية بتحمل مسؤوليتها عن الضفة الغربية وسائر المناطق الفلسطينية بصفتها قوة احتلال. وماذا تعني هذه الخطوة بالنسبة الى النضال الفلسطيني من اجل دولته؟ توضح اوساط فلسطينية أن هذا يمكن ان يشكل خطوة نحو اعلان من جانب واحد لقيام دولة فلسطين تحت الاحتلال، مما يطرح اكثر من علامة استفهام عن مصير السلطة الفلسطينية ومستقبل الفلسطينيين في الضفة وغزة.
إلا أن كلام “أبو مازن” لم يثر حتى الآن قلق إسرائيل التي اعتبرت انه يهدد فقط بوقف احترام الاتفاقات المعقودة معها، لكنه لن يجرؤ على تنفيذ تهديداته. ومن شأن هذا الكلام ان يزيد احباط الجمهور الفلسطيني ويأسه، ويعكس المأزق الذي وصل اليه الفلسطينيون والخطر الكبير الذي يهدد قضيتهم.
لعل هذا هو السبب الاساسي الذي جعل مشهد العلم الفلسطيني مرفرفاً في سماء نيويورك لا ينجح في بعث الامل في قيام دولة فلسطين.