Site icon IMLebanon

فلسطين في الشرق الأوسط الجديد؟

يغطي غبار المعارك ضد «داعش» في العراق وسوريا، حتى في صحراء سيناء، حقيقة المتغيرات التي تواجهها القضية الفلسطينية، من خلال المبادرة السياسية التي أطلقها الرئيس الأميركي دونالد ترامب.

فالرئيس الأميركي أوفد صهره كوشنير الى الضفة الغربية واسرائيل للاتفاق مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس والاسرائيلي بنيامين نتنياهو على تفاصيل المبادرة. ولكنه اصطدم بثلاث لاءات:

• لا اسرائيلية لوقف الاستيطان في الضفة الغربية.

• لا فلسطينية لوقف معارضة الاحتلال والتوسع الاسرائيليين.

• لا عربية لإنهاء المقاطعة والاقتداء بمصر والأردن في ترجمة الاعتراف الشكلي باسرائيل بإقامة علاقات سياسية وتجارية معها.

وكانت نتيجة هذه اللاءات الثلاث ارتفاع «لا» رابعة، وهي: لا لحلّ الدولتين. وهي النتيجة التي عاد بها كوشنير الى البيت الأبيض. وكانت كافية لطيّ ملف المبادرة التي كان الرئيس ترامب يتطلع الى إنجاحها حيث فشل الرؤساء الآخرون.

ليس فشل المبادرة مهما في حدّ ذاته. المهم هو ماذا بعد هذا الفشل. فاسرائيل تمضي قدماً في مصادرة المزيد من الأراضي الفلسطينية المحتلة، وبناء المزيد من المستعمرات وضمّها الى الكيان الاسرائيلي. وهذا يعني مع الوقت تهويد الضفة الغربية و«تحويل المدن» الفلسطينية فيها الى «مستوطنات» فلسطينية معزولة ومقطعة الأوصال.

لا يعني ذلك ان اسرائيل سوف تعتبر فلسطينيي الضفة مواطنين لديها لتضيفهم الى عرب 1948 الذين لم يغادروا بلادهم؛ ان اسرائيل تعرف ان هذا مشروع انتحاري على المدى البعيد. فهي تسعى لإقامة كيان عنصري بقومية واحدة وبدين واحد. ثم انها تعرف جيداً ان الديموغرافيا العربية أسرع وأشد حيوية، كما انها تعرف جيداً أيضاً انها لا تستطيع ان تجمع بين أن تكون دولة دينية – يهودية، وأن تكون دولة ديموقراطية، أو دولة ذات قوميتين.

من هنا فان مشروع «الترانسفير» الذي يتمسك به وزير خارجيتها افيغدور ليبرمان لا يزال قائماً. وهدفه الأول والأساس هو التخلص من كل الفلسطينيين العرب، مسلمين ومسيحيين، لتبقى اسرائيل دولة بدين واحد، وعنصر واحد. وفي اطار الفوضى التي تخيم على سوريا والعراق، ومن خلال مشاريع الفرز المذهبي والعنصري التي يجري تمريرها على قدم وساق، فان مشروع الترانسفير، أي تهجير الفلسطينيين الى الدول العربية المجاورة، قد يبدو منسجماً مع مخطط إعادة رسم خريطة الشرق الأوسط من جديد.

كانت اسرائيل تطالب بالتعويض على ممتلكات اليهود الذين هاجروا من الدول العربية الى أوروبا والأميركيتين خاصة بعد حربي 1948 و 1967، وبالفعل عمدت اسرائيل الى تركيب لوائح بالمطالب تفوق حجم التعويضات المقدرة للفلسطينيين الذين هجروا من بلادهم بقوة السلاح في عام 1948 ورفعتها الى الأمم المتحدة.

ولم يخفِ ليبرمان نواياه بإعادة طرح ملف هذه التعويضات المزعومة عندما يبدأ العمل في مشروع «الترانسفير» الذي يدعو اليه. ذلك ان مشروع تهويد القدس والضفة الغربية يواكب مشروع تقسيم المقسم وتجزئة المجزأ في العالم العربي، بحيث تكون هناك عنصرية في دول متعددة أيضاً وليس في اسرائيل وحدها. وهذا المشروع ليس جديداً. لقد كان أول من طرحه أول رئيس لحكومة اسرائيل ديفيد بن غوريون في رسالة وجهها الى وزير خارجيته مطلع الخمسينات من القرن الماضي موشي شاريت. وكان الهدف أن ينطلق المشروع من لبنان بإقامة دولة مسيحية فيه. يومها رد شاريت على بن غوريون في رسالة رسمية قال فيها: «اعطني كولونيلاً مسيحياً في الجيش اللبناني موالياً لاسرائيل، أعطيك دولة مسيحية في لبنان». وبالفعل حصلت اسرائيل على الكولونيل وكان العقيد سعد حداد، وأقامت له دويلة في جنوب لبنان استمرت أكثر من عقدين من الزمن. الا ان المشروع فشل مسيحياً كما فشل وطنياً. وتم تحرير الجنوب من الاحتلال الاسرائيلي المباشر وغير المباشر، وهاجر العقيد سعد حداد الى اسرائيل حيث افتتح مطعماً للفلافل.. الى أن مات بالسرطان.

ولم يعد سراً كذلك التحريض الاسرائيلي للأكراد ضد النظام العراقي السابق برئاسة صدام حسين، كما انه لم يعد سراً أن اسرائيل موّلت وسلّحت قوى الانفصال في جنوب السودان، حتى ان زعيم الحركة الانفصالية جون غارانغ تخرج من كلية الأركان الاسرائيلية. وقد انفصل الجنوب بالفعل عن الشمال السوداني، ولكن ليدخل في حرب أهلية دامية لا تزال متواصلة حتى اليوم.

رغم ذلك فان اسرائيل لم تيأس من مشروعها بإقامة سلسلة من الدويلات المذهبية والعنصرية المتنازعة في المنطقة الممتدة من باكستان حتى المغرب (مشروع برنارد لويس). وهو المشروع التفتيتي الذي بدأت معالمه تظهر من خلال الصراعات المذهبية والعنصرية التي تتفجر على طول هذه المساحة. حتى فلسطين، بإنقسامها الى غزة بقيادة «حماس» وضفة غربية بقيادة «فتح» لم تسلم من هذا المشروع.