IMLebanon

من يُنقذ فلسطين من وحدة الساحات التي تقتل أولادها؟

 

«راح أحمدُ يلتقي بضلوعه ويديه… كان الخطوةَ النجمهْ

ومن المحيط إلى الخليج، من الخليج إلى المحيط… كانوا يُعدّون الرماحَ

وأحمدُ العربيّ يصعد كي يرى حيفا ويقفزَ.

أحمدُ الآن الرهينهْ، تركتْ شوارعَها المدينهْ، وأتتْ إليه لتقتلهْ» (محمود درويش)

 

يقول بعض الأكاديميين الأميركيين إنّ حرب 1967 كانت الحدث الذي دفع الولايات المتحدة الأميركية الى السعي للتحالف العسكري اللصيق مع إسرائيل، مع العلم أن أميركا ذاتها وقفت بحزم بوجه إسرائيل وفرنسا والمملكة المتحدة وأجبرت إسرائيل على الانسحاب من سيناء سنة 1956 يوم العدوان الثلاثي على مصر. لكن، عندما تمكّنت إسرائيل من هزيمة ثلاثة جيوش عربية وفي حرب خاطفة واحتلال أضعاف الأراضي التي تحتلّها قبل ذلك، هذا الأمر دفع قادة أميركا المنشغلين في حرب فيتنام إلى اعتماد إسرائيل امتداداً لمصالحها وموقعاً عسكرياً متقدماً في قلب منابع النفط، وفي ظل الحرب الباردة التي كانت على رحاها في تلك الأيام.

 

لم يكن غريباً على الأميركيين المغرمين بالأساطير التوراتية أن يستذكروا قصة داود الولد الصغير الحجم وجالوت «الفلسطي» العملاق، وكعلى اليف تمكّن داود (إسرائيل) من القضاء على جالوت (العرب مجتمعين) بذكائه واستعماله «تكنولوجيا» المعلاق. وأشعل ذلك بالطبع مشاعر الإنجيليين بقرب عودة المسيح بعد عودة اليهود إلى أرض فلسطين.

 

لا داعي لتعداد ما جنته دولة الاحتلال والفصل العنصري من وحدة الساحات مع الغرب وأميركا المبنية على الأساطير. لكن، ماذا عن الفلسطيني الرازح منذ خمس وسبعين سنة تحت نير الاحتلال والقمع وفقدان الأمل؟ في البداية لجأ الفلسطينيون إلى العرب لوحدة الساحات معهم. كانت دول العرب الناشئة لا تزال تحت حكم الاستعمار عملياً، أو تعاني بشدة من آثاره، وظني هو أنّ هذا الاستعمار ذاته دفع الدول العربية المشاركة في النكبة لخوض الحرب، ربما لإعطاء فرصة للعصابات الصهيونية، كما كنا ندعوها، لكسب المزيد من الأراضي على حساب الفلسطينيين، متجاوزة خطوط التقسيم التي فرضتها الأمم المتحدة. ومن يظن أنّ داود يومها كان ضعيفاً فقد كان تعداد القوات الصهيونية حوالى مئة ألف مسلح بشكل جيد، في حين أن عدد قوات جالوت مجتمعة وصل إلى خمسة وثلاثين ألفاً، معظمهم من المتطوعين غير المدربين إلا بحميتهم واستعدادهم لنيل الشهادة. فيما خرج أكثر من سبعمئة ألف فلسطيني من قراهم ومنازلهم «بشكل موقت» حاملين مفاتيح البيوت، على أساس أن وحدة الساحات ستمكنهم من العودة بسرعة! وما زال هؤلاء، وبسبب وحدة الساحات التي حوّلت قضية فلسطين إلى قضية العرب الكبرى، ينتظرون في مخيّمات تحولت إلى مدن عشوائية.

 

وحدة الساحات مع فلسطين جعلت منها قضية العرب شبه الوحيدة، فخاض العرب الحروب باسم فلسطين، وفي كل مرة كانت تتساقط أراض جديدة في يد الصهاينة، ويدفع الفلسطينيون المزيد من الخسائر بحجة وحدة الساحات تلك. وحتى بعد أن أصبحت فلسطين قضية المسلمين فوق العرب، وفي ظنّ الفلسطينيين الذين احترفوا «الحزن والانتظار» أنّ انتماءهم إلى مليار ونيف من المسلمين سيدعم عودتهم ويدعم العرب على هزيمة إسرائيل. لكن، منذ أن تحوّلت وحدة الساحات من العرب إلى المسلمين، استمرّت خسائر الفلسطينيين وانتهكت حرمة المسجد الأقصى مرّات ومرّات. وفي ظلّ وحدة الساحات الإسلامية، أتى متعصب اسمه مايكل دنيس روهن من أستراليا وأحرق المسجد الأقصى. قالت يومها غولدا مائير «لم أنم ليلتها وأنا أتخيل العرب (والمسلمين) سيدخلون إسرائيل أفواجاً من كل صوب، لكن، عندما طلع الصباح ولم يحدث شيء، أدركت أنّ باستطاعتنا فعل ما نشاء، فهذه أمة نائمة».

 

وفيما ظن الفلسطينيون أنهم في ساحة موحّدة في الأردن، حصلت حرب عمان لينفصل الأردن عن وحدة الساحات. لم تنفع وحدة الساحات مع «اليسار القومي العربي» في إنقاذ منظمة التحرير من الطرد من الأردن، ما عدا محاولة بائسة من لواء مدرع في الجيش السوري، عبر الحدود إلى إربد من دون غطاء جوي. فكان يكفي تحليق طائرات إسرائيلية فوق تلك القوة لتنسحب من دون اشتباك.

 

ومن بعدها، تفرّق العشاق، وصار كل طرف من المتحدين في الساحة يبحث عن إربه، أكان حرباً أم سلماً، فحُرم الفلسطينيون المسلحون من المشاركة في حرب 1973 حتى لا يكون لهم دور في التسويات التي انتهت بعودة سيناء إلى مصر مقابل خروجها من الساحة، وحصول سورية على القنيطرة ومن ثم السيطرة على لبنان. ومن بعدها، لم تنفع لا وحدة الساحات العربية ولا الإسلامية فلسطين ولبنان يوم اجتاحت إسرائيل الجنوب واحتلت بيروت سنة 1982 فانسحب الجميع ونفضوا أيديهم وتبرّأوا من دم الصديق.

 

وحتى عندما لجأت فلسطين إلى آخر الدواء باتفاق أوسلو فخرجت من الساحات العربية والإسلامية، بعد أن سدت كل الأبواب في تلك الساحات، تنصّل منها الجميع وترك شعبها يتألم تحت الاحتلال والعهود المنقوضة.

 

وعندما سقط «أوسلو»، ظنت فلسطين أنها وجدت ضالتها في وحدة ساحات جديدة مع الممانعين التابعين لولاية الفقيه، فدمّرت وحدة الساحات لبنان وسورية والعراق واليمن بحجة إسناد فلسطين واستعداداً ليوم معركة التحرير الأسطورية الكبرى، ووجدت فلسطين نفسها وحيدة تنزف من بشرها وأطفالها، ووحدة الساحات الجديدة تناوش وتساوم على حساب عدد الضحايا.

 

فلسطين تصرخ اليوم «أنقذوني من أصدقائي، ودعوني ألملم من بقي من أبنائي». الفضيحة التي كشفت منذ أيام بلقاء قاآني، قائد الحرس الثوري، ونصرالله بأن وحدة الساحات تقضي بأن تشتعل كلها ويقتل المزيد من أبنائها، لكن طهران لا يجب أن تطالها تداعيات الوحدة، إلا بجني المغانم على حساب شركائها!