Site icon IMLebanon

فلسطين أكثرنا حزناً يا بك!

أحيا الفلسطينيون الذكرى الـ 68 للنكبة، لكن كلوفيس مقصود لم يكن هنا كعادته صوتاً صارخاً في يأس الأمة وريبة اهل الأمة، وهكذا عبر القطار المصنوع من عربات وهمية تحمل إسم القرى الفلسطينية التي ابتلعتها مؤامرة التهويد في محاذاة بيت لحم رافعاً نداءً مؤثراً: “هاتوا مفاتيح الدار ولا تنسوا أوراق الطابو”.

لكن كلوفيس مقصود لم يكن هناك ليسمع ويكتب كعادته مقالاً لـ”النهار” أو غيرها يغمسه بفيض وجعه التاريخي على القضية، التي تبدو في هذه الايام البائسة كأنها لا تواكبه الى مثواه بل ستبكيه دهراً عند مثواه.

غريب ان يكون قد اختار الرحيل في هذا اليوم بالذات، تماماً مثل شجرة باسقة فوق هضبة الغابة، قررت السقوط لشدة ما آلمها الحريق الممتد في أنحاء الغابة العربية، ولشدة هول ما شاهدت من دم ماطر في بلاد العرب أوطاني.

لن يستطيع أحد ان يرثيه بما يليق به رثاء، ولن يتمكن أحد من ان يلقي عنه وبه خطبة وداع تساوي، ولو حرفاً بسيطاً في قاموس أبجديته لا بل موسوعته الهائلة القومية، العروبية، الاشتراكية، الفلسطينية، الرؤيوية، الانسانية، الفلسفية، الحاذقة، الديبلوماسية، الودودة كحفيف نسيم اذا تكلم، والحييّة كأول ضحكة تشرق من ثغر وليد.

جاب الآفاق والعواصم بثياب ديبلوماسي ودود ولطيف، لكنه كان يرتدي دائماً جلد المقاتل ويحتفظ بصلابة المقاوم، ويتمسك بثبات المؤمن بأن القضية جوهو الذات الانساني، وبأن عودة فلسطين من الاغتصاب تعطي الحياة العربية مبرراً للاستمرار. جاب المنابر وصفحات الصحف كاتباً والكتب مؤلفاً، لكن القضية كانت دائماً حبره، أما ألمه الغاضب أحياناً فكان ريشته، وفي وسع الريش اللبق ان يجرح من يستحق الجرح.

كان مقصوداً لعفته ونبوغه وظرفه العميق، وكان مقصوداً كمدرسة تملأ روحك بالشغف وكرواية ينافس فيها عنصر التشويق معاني الفلسلفة، ولقد عرفت هذا الى عميق جوارحي في خلال الجلسات التي حضرتها في “النهار” بينه وبين غسان تويني الذي ينتظره على أبواب السماء.

16 تموز 2014 كانت المرة الاخيرة التي حالفني الحظ لأستمع اليه، كان ذلك في تونس في خلال مسامرة دعا اليها مركز الجامعة العربية في تونس، كان متهالكاً صحياً لكنه رفض ان يتحدث جالساً. الأشجار الباسقة لا تجلس. قدّمه الامين العام المساعد للجامعة العربية [لا أذكر اسمه عذراً] لكنني لن أنسى كلمات كلوفيس مقصود ولعلها وصيته الى العرب:

أسوأ ما يقال إن العروبة غير قائمة، لن نستقيل من الوحدة فالوحدة يمكن ان تكون بالتكامل، لا يجب ان نسأل الأمة الى أين… ان فلسطين هي البوصلة والهدف، وبمقدار ما تتردى فلسطين نتردى وبمقدار ما تعود ننتصر.

… وفلسطين أكثرنا حزناً وبكاءً يا بك!