شطب «القضية الفلسطينية» من مناهج التعليم في لبنان يستمر بالتفاعل. أمس، أكد المركز التربوي للبحوث والإنماء ان وزير التربية السابق الياس بو صعب أصدر تعميماً جديداً عام 2016، تضمن في بعض تفاصيله ما ورد في تعميم قديم صادر قبل 16 عاماً (في عهد وزير التربية الأسبق محمد يوسف بيضون). اللافت ان بيان المركز برّر الأمر بأن «تدريس القضية الفلسطينية يمكن أن يطرح إشكالية في المجتمع اللبناني»، وأشار الى ان «جهات رسمية وخاصة ضغطت للإبقاء على تعليق العمل بمحور القضية الفلسطينية بحسب التعاميم السابقة».
ما الذي يعنيه البيان التوضيحي الصادر أمس (أنظر الاطار المرفق) عن المركز التربوي للبحوث والإنماء، وهو الجهة الرسمية المعنية بالمناهج التعليمية؟
يعني، اولاً، ان محاور «القضية الفلسطينية» معلّقة منذ عام 2000، بموجب تعميم صادر عن وزير التربية في حينه، في ظل عهد الرئيس اميل لحود وحكومة الرئيس سليم الحص، وهذا صحيح بحسب ما يظهر من الوقائع.
ولكنه يعني، ثانياً، ان التعميم الصادر عن وزير التربية السابق الياس بو صعب، هو تعميم جديد يلغي التعميم السابق (بطبيعة الحال)، وهو بالتالي ليس التعميم نفسه الصادر منذ 16 عاما الا في بعض مضامينه، ولا سيما لجهة الابقاء على تعليق محاور «القضية الفلسطينية». وهو ما تؤكّده روايته ورواية المركز التربوي للبحوث والإنماء، كما تؤكده واقعة صدور «التعميم الخاص الجديد بمادة التاريخ بصيغته النهائية بتاريخ 1-10-2016، الذي يعيد بموجبه تعليق العمل بهذا المحور»، بحسب توضيحات رئيسة المركز بالتكليف ندى عويجان.
اذاً، ليس هناك التباس في واقعة صدور قرار عن بو صعب يعيد تعليق تدريس محاور «القضية الفلسطينية». واذا كان بو صعب موافقا على اعادة تدريس هذه المحاور، فهو عاد واستجاب للضغوط والمبررات التي تضع «القضية الفلسطينية» في جانب من الصراعات المحلية، لا يمت بصلة لأصل القضية وجوهرها، اي احتلال فلسطين واقامة كيان غاصب، بل يتصل بدور منظمة التحرير الفلسطينية في لبنان!
يقول بيان المركز التربوي ان «تدريس محاور القضية الفلسطينية يمكن أن يطرح إشكالية في المجتمع اللبناني»، وهذا ما ردده بو صعب ايضا، رغم انه اصرّ على ان موقفه الفعلي يذهب ابعد من اعادة تدريس هذه المحاور وصولا الى تضمين مناهج التعليم محاور عن عملاء الداخل وليس فقط الخارج.
أساتذة شاركوا في اللجان التي مهدت لتعميم بو صعب الجديد في عام 2016، اشاروا الى السرعة القياسية التي صدر فيها هذا التعميم، وقالوا انه لم يبن على أسس تربوية واضحة، بل جرى البناء في بعض الأحيان على قرارات سابقة تتعلق بالحذف من دون أي تدقيق فيها.
ويشرح هؤلاء ان محاور القضية الفلسطينية في كتاب التاريخ وفق المنهج القديم، تتضمن تاريخ القضية من نشأة الصهيونية إلى الانتداب البريطاني على فلسطين ونكبة 1948 وحملة 1956 (وليس عدوان 1956) وحرب حزيران 1967 والحروب العربية – الإسرائيلية… وهذه المحاور تستعرض وقائع تاريخية موضوعية لا علاقة لها بخلافات اللبنانيين على دور الفصائل الفلسطينية المسلحة في الحرب اللبنانية. ويؤكدون أن هذه المحاور كانت تدرّس في مدارس كثيرة في الفترة الفاصلة بين تعميم عام 2000 وتعميم عام 2016، كما كانت تدرس قبل عام 2000 في كل المدارس الرسمية، فيما كان العديد من المدارس الخاصة يدّرس كتاب تاريخ لا يتضمن هذه المحاور.
تلفت هذه المصادر الى ان اللجان التربوية نجحت في تضمين مشروع التعميم الصادر عن بو صعب اعادة تدريس محاور القضية الفلسطينية ومحاور الحرب العالمية الاولى، ولكنهم فوجئوا لاحقا باعادة تعليق محاور القضية الاولى.
المركز التربوي: «القضية الفلسطينية» تطرح إشكالية في المجتمع اللبناني
تعليقا على التقرير المنشور في «الاخبار» تحت عنوان «شطب القضية الفلسطينية من المناهج التعليمية: تطبيع مستتر مع إسرائيل» (الاثنين ٢٩ أيار ٢٠١٧) اصدرت رئيسة المركز التربوي للبحوث والإنماء بالتكليف ندى عويجان، بيانا توضيحياً جاء فيه:
1ــــ بتاريخ 19-10-2000 صدر التعميم رقم 78/م/2000 (تحديد محاور التدريس لمادة التاريخ في السنتين التاسعة الأساسية والثالثة الثانوية) عن وزير التربية والتعليم العالي (آنذاك)، محمد يوسف بيضون. وتمّ بموجبه تحديد محاور التدريس للسنة التاسعة الأساسية والتي لم تتضمن المحور السادس (القضية الفلسطينية) والمحور السابع (الحركات الاستقلالية في الدول العربية). وعليه، استمر العمل بهذا التعميم حتى العام 2016.
2ــــ بتاريخ 2-9-2016 قدّم المركز التربوي للبحوث والإنماء مشروع تعديل تحديد محاور التدريس لجميع المواد، من بينها مادة التاريخ وتضمّن اعادة العمل بالمحور السادس. وقد وقّع وزير التربية (آنذاك) الياس بو صعب على المشروع التعديلي المذكور أعلاه، وصدر التعميم رقم 21/م/2016 بتاريخ 3-9-2016 ونشر فور صدوره على الموقع الالكتروني للمركز التربوي متضمنًا محور القضية الفلسطينية.
3ــــ بتاريخ 8-9-2016 عقد وزير التربية مؤتمرًا صحافيًا خصصه لتوضيح مجريات ما حدث، وأجاب على بعض الاعتراضات على التعميم، تاركًا مهلة أسبوعين لتقديم الملاحظات والاعتراضات لدراستها، تمهيدًا لوضع التعميم في الصيغة النهائية قبل نشره في الجريدة الرسمية. وضمن هذه المهلة، ونتيجة معاينة ملاحق التعميم على الموقع الإلكتروني الخاص بالمركز التربوي، ونتيجة مقال منشور على الموقع الإلكتروني «جنوبية» (9-9-2016)، الذي يظهر اعادة العمل بمحور القضيّة الفلسطينية (ملحق رقم 4)، تلقى المركز التربوي العديد من الملاحظات من جهات رسمية وخاصة متعلقة بالإبقاء على تعليق العمل بهذا المحور بحسب التعاميم السابقة. وفي اجتماع مع اتحاد المؤسسات التربوية الخاصة، تّم التداول في هذا الشأن وكان التوجه أيضًا إلى الإبقاء على تعليق العمل بهذا المحور للأسباب الآتية:
أــــ الأوضاع السياسيّة في عهد الوزير بيضون وتقليص عدد ساعات التدريس لمادة التاريخ من ساعتين إلى ساعة في الأسبوع، دفع بالوزير بيضون إلى اصدار التعميم المتعلّق بإيقاف العمل بمحور القضية الفلسطينية،
ب ــــ لا يوجد محتوى لهذا المحور، وذلك لأنه لم يصدر حتى الآن كتاب تاريخ، وفقًا لمرسوم المناهج، 10227/97. وما يعتمد حاليًا هو المنهج الصادر بالمرسوم رقم 14528/1970،
ج ــــ تدريس هذا المحور يمكن أن يطرح إشكالية في المجتمع اللبناني،
هـ ــــ وجهات النظر المختلفة في المقاربات التعليمية الممكن اعتمادها يمكن أن تطرح إشكالية أيضًا خاصة في غياب محتوى متّفق عليه لهذا المحور.
لذلك كان الطلب من قبل المجتمعين من المؤسسات التربوية الخاصة على الإبقاء على تعليق العمل به حرصًا على عدم تغذية الجدل حول هذا الموضوع لدى الأطياف كافة، ريثما يتم الاتفاق على رؤية موحّدة لدى جميع اللبنانيين، وصدور منهج تاريخ موحّد يحظى على موافقة جميع الفعاليّات السياسية والتربويّة بما يحقق الأهداف والمبادئ العامة الواردة في وثيقة الوفاق الوطني.
4 ــــ بتاريخ 1-10-2016، وبعد انتهاء المهلة المحددة لإبداء الملاحظات، تمّ نشر التعميم الخاص بمادة التاريخ بصيغته النهائية على الموقع الإلكتروني للمركز التربوي، والذي يعيد بموجبه تعليق العمل بهذا المحور.
بناء على كل ما تقدّم حول هذا الموضوع، حاول المركز التربوي للبحوث والإنماء جاهدًا بناءً لطلب وزير التربية الياس بو صعب، إعادة العمل بمحور القضيّة الفلسطينية (المعلّق العمل به منذ العام 2000)، ولكن نتيجة الاعتراضات على ذلك، ونظرًا لعدم وجود مادة تعليميّة متّفق عليها وطنيًا ومصدّق عليها من قبل مجلس الوزراء، كان من المستحسن الابقاء على تطبيق التعميم رقم 78/2000 الصادر عن الوزير بيضون. لذلك اقتضى التوضيح.