IMLebanon

فلسطين للفلسطينيين العرب (الحلقة الثانية والأخيرة

 

 

حول هذا الموضوع، أشرت في الحلقة الأولى أمس، الى أنّ فلسطين ليست وطناً لليهود، بل هي وطن للفلسطينيين العرب، أولاً وأخيراً… ولن تكون إلاّ لأصحابها هؤلاء مهما طال الزمن، ومهما تكالبت على الفلسطينيين قوى الشر والعدوان، ومهما حاول المحتلون الصهاينة وحلفاؤهم الاستمرار في حرب الإبادة الجماعية عن سابق تصوّر وتصميم.

 

واليوم أتابع في الحلقة الثانية إثبات أحقيّة الفلسطينيين العرب باستعادة وطنهم الذي سلبته عصابات الصهاينة… فالتاريخ لا يقبل إلاّ بإحقاق الحق ولو بعد حين.

 

يبدو أن الفلسطينيين طينتهم تختلف عن باقي البشر.. فقد احتللنا أرضهم وأطلقنا على شبابهم الغانيات وبنات الهوى والمخدرات، وقلنا ستمر بضع سنوات، وسينسون وطنهم وأرضهم، وإذا بجيلهم الشاب يفجر انتفاضة الـ87.. وأدخلناهم السجون، وقلنا سنربيهم في السجون.. وبعد سنوات، وبعد أن ظننا أنهم استوعبوا الدرس، إذا بهم يعودون إلينا بانتفاضة مسلحة عام 2000، أكلت الأخضر واليابس..

 

وقلنا نهدم بيوتهم ونحاصرهم سنين طويلة، وإذا بهم يستخرجون من المستحيل صواريخ يضربوننا بها، رغم الحصار والدمار.

 

فأخذنا نخطط لهم بالجدار العازل والأسلاك الشائكة.. وإذا بهم يأتوننا من تحت الأرض وبالأنفاق، حتى أثخنوا فينا قتلاً.

 

وفي الحرب الماضية حاربناهم بالعقول، فإذا بهم يستولون على القمر الصناعي الإسرائيلي «عاموس» ويدخلون الرعب إلى كل بيت في «إسرائيل»، عبر بث التهديد والوعيد، كما حدث حينما استطاع شبابهم الاستيلاء على القناة الثانية «الاسرائيلية».

 

خلاصة القول كما يقول الكاتب:

 

يبدو أننا نواجه أصعب شعب عرفه التاريخ، ولا حل معهم سوى الاعتراف بحقوقهم وإنهاء الاحتلال.

 

هذا رأي كاتب عبري مشهور… أما لَوْ عُدْنا الى التاريخ في مراحله المختلفة، فإنّ ادعاء اليهود بأنهم عادوا الى فلسطين لأنه موطنهم وفيه هيكل سليمان وتراثهم الذي يدل على ان هذه الارض هي أرضهم، فإننا نكتشف وبسرعة ان ادعاءاتهم باطلة جملة وتفصيلا. فبالاضافة الى ما اعترف به آري شبيت في صحيفة «هآرتس» نذكر ان اليهود حاولوا خلال محطات مختلفة إقامة دولة لهم خارج فلسطين، وأذكر محاولة موردخاي نواه عام 1925 في ارارات، ومحاولة إقامة دولة لهم عام 1885 في مدغشقر، غير ان الفكرة استبعدت خوفاً من الأمراض الاستوائية.. كما حاولوا إقامة دولة لهم في روسيا لكن ستالين قضى على الموجودين منهم هناك.

 

وخلال الثمانينات من القرن التاسع عشر والفترة ما بعدها، تأزمت حالة المجتمعات اليهودية في أوروبا، خصوصاً في شرقي أوروبا (المنطقة التي سكن فيها أغلبية اليهود في ذلك الزمن)، حيث تعرضت هذه المجتمعات لاضطهاد مكثف من سلطات الامبراطورية الروسية والسياسة اللاسامية من قبل حكومات أوروبية أخرى، هذا إضافة الى نموّ الايديولوجية القومية في أوروبا، والتي بلغت ذروتها عام 1848، الى بلورة الصهيونية، وهي إحدى الحركات القومية اليهودية المقامة آنذاك. ومنذ نشأتها حدّدت الحركة الصهيونية هدفاً لها هو جمع جميع اليهود في بلد واحد يتحوّل الى موقع دائم لدولة يهودية.

 

نشأت الصهيونية في فترة تعزّز فيها التأثير الأوروبي في الشرق الأوسط، حيث استولت بريطانيا على ومصر ووسعت حدودها وجعلتها جزءاً من الامبراطورية البريطانية، كما قام عدد من الدول الأوروبية بتوسيع نفوذها أيضاً. وبدأت هذه الدول تمنح أراضي البلدان المسيطر عليها كهبات مجانية، كما تبيّـن من خطاب نابليون بونابرت في نيسان من العام 1799 عندما حاصر جيشه مدينة عكا، الى «وعد بلفور» الصادر من قبل حكومة بريطانيا في تشرين الثاني/ نوڤمبر عام 1917، كذلك المراسلات التي تمت بين الشريف حسين ومكماهون، التي قال فيها المندوب البريطاني هنري مكماهون عن منطقة فلسطين إنه لا يمكن أن يقال عن فلسطين إنها عربيّة محضة، وكانت الحكومات الاوروبية تشجع بشكل لافت الهجرة اليهودية الى فلسطين. هذه الهجرة التي بدأت تتكثف منذ ثمانينات القرن الـ19 كما أشرنا، إثر دعوة الحركة الصهيونية والتي أدّت الى تأسيس تجمعات يهودية جديدة في فلسطين، خصوصاً في منطقة السهل الساحلي وحول القدس وفي مرج ابن عامر.

 

في العام 1922 تأكد الانتداب البريطاني رسمياً على فلسطين بموجب قرار «عصبة الأمم المتحدة» في «مؤتمر سان ريمو» الذي انعقد 1920. وأشارت سرعة تنفيذ الانتداب الى «وعد بلفور» الذي كان قد صدر عام 1917 كما جئنا على ذكره. فكان «وعد بلفور» أساساً للانتداب البريطاني على فلسطين.. هذا الوعد الذي قال:

 

«إنّ حكومة صاحبة الجلالة تنظر بعين العطف الى تأسيس وطن قومي للشعب اليهودي في فلسطين وستبذل غاية جهدها لتسهيل تحقيق هذه الغاية».

 

وسأتجاوز كل الثورات والانتفاضات والصراعات بين الفلسطينيين واليهود، لأركّز على الحرب العربية – الاسرائيلية عام 1948، بعد أن أكدنا عدم وجود أي مبرّر لليهود لاختيار فلسطين هذه الحرب هي «حرب النكبة»، التي أعقبت انتهاء الانتداب البريطاني على فلسطين وإعلان قيام إسرائيل المغتصبة. وانطلاقاً من هذا التاريخ حدث تهجير الفلسطينيين عندما طُرِد أو نزح أكثر من نصف عدد السكان… وكان التهجير عاملاً مركزياً في تشتيت المجتمع الفلسطيني والاستيلاء على ممتلكاته، وإبعاده عن أرضه.. ومن هذا التاريخ أيضاً حاولت إسرائيل المغتصبة تهويد التاريخ الفلسطيني.

 

ولا ننسى أنّ من أسباب التهجير تتضمّن عمليات الجيش الاسرائيلي، وتدمير القرى العربية، والحرب النفسية ومخاوف الفلسطينيين من وقوعهم ضحايا كمجزرة دير ياسين التي أدّت الى هجرة الكثيرين خوفاً من ملاقاة مصير مشابه، إضافة الى أوامر الطرد المباشر التي أصدرتها السلطات الاسرائيلية وتفكك القيادة الفلسطينية.

 

وها هم الفلسطينيون اليوم من خلال مقاومتهم الباسلة، صاروا أكثر وعياً… فتسلحوا بالإيمان العميق بقضيتهم العادلة وتحوّل شعارهم: إما الدولة وإما الاستشهاد، ففلسطين لن تكون إلاّ لأصحابها الفلسطينيين العرب ولن تكون لليهود أبداً.