يبدو أن “سلاح حزب الله” لم يعد مشكلة داخلية تنتظر الظرف المناسب لحلها، إنما أصبحت مشكلة مع الخارج ولا سيما مع الدول العربية الشقيقة التي من مصلحة لبنان أن يظل محافظاً على أحسن العلاقات معها، خصوصاً تلك التي تقف معه في أيام الشدة.
لقد اضطرت قوى 14 آذار ومنذ انتهاء الوصاية السورية على لبنان حتى اليوم، الى التعايش مع هذا السلاح حرصاً على العيش المشترك والوحدة الوطنية والسلم الأهلي لأن مواجهة السلاح بالسلاح تشعل فتنة تلحق الضرر بالجميع وقد تعرّض لبنان لخطر التجزئة والتقسيم، واذا ردَّت برفض شروط سلاح الحزب فإن البلاد قد تتعرض عندئذ لخطر الفراغ الشامل في كل المؤسسات وشلّ عمل كل السلطات، وهذا آخر ما يهتم له “حزب الله” ومن معه أو يهمه.
لذلك قبلت 14 آذار بتشكيل حكومات “وحدة وطنية” يكون لقوى 8 آذار فيها الثلث المعطّل، وقبلت بمساواة الرابح بالخاسر في الانتخابات النيابية، وتجنّبت الرد على قوى 8 آذار بالمثل فتقابل الاضراب بالاضراب والتظاهر بالتظاهر والاعتصام بالاعتصام لأن قوى 8 آذار تكون قد حققت ما تريد وألقت المسؤولية على غيرها.
لذلك فإن قوى 14 آذار تجد نفسها مضطرة كل مرة للتسليم والقبول بشروط “حزب الله” ومن معه خشية الوقوع في الفراغ الشامل الذي يعمل له الحزب بهدف إقامة ما يسمى “الجمهورية الثالثة”، فتشكلت الحكومات بشروط قوى 8 آذار خوفاً من الفراغ الحكومي، وها أن الشغور الرئاسي مستمر لأن “حزب الله” ومن معه يرفض حضور جلسة انتخاب الرئيس ما لم يضمن فوز المرشح الذي يريد قبل الجلسة.
ولم تنجح محاولات وضع سلاح الحزب في كنف الدولة ولا بإمرتها، وسكتت قوى 14 آذار على مضض عندما كان كل مسؤول في الحزب يهزّ اصبعه ويقول متحدياً: “سنقطع كل يد تمتد الى سلاحه المقدس”، و”ان من لا يريد هذا السلاح فليبلّط البحر”… وعندما وقع خلاف حول صوغ بيان في ختام أحد اجتماعات هيئة الحوار الوطني في القصر الجمهوري يأتي على ذكر المقاومة قال ممثل الحزب في الهيئة النائب محمد رعد بنبرة عالية: “اكتبوا ما شئتم ونحن نفعل ما نشاء”… وقد أقرن الحزب القول بالفعل.
وهكذا يعيش لبنان شراكة وطنية بالاكراه منذ عام 2005 بعدما تعايش مع الوصاية السورية بالاكراه أيضاً والتسليم بالأمر الواقع.
والسؤال الذي لا جواب عنه هو: ما العمل لحل مشكلة سلاح “حزب الله” الذي يخلّ وجوده في يد فئة من دون أخرى بالتوازن الداخلي الدقيق وبالميثاق الوطني والآن بالعلاقات مع دول شقيقة وصديقة التي ترفض أن تتحمّل ما تحمّله لبنان من جراء وجود هذا السلاح وما يقوم به الحزب من إخلال بأمن هذه الدول.
لقد كلّف التخلّص من السلاح الفلسطيني لبنان حروباً داخلية مدمّرة وخضوعاً لوصاية سورية دامت 30 عاماً، فكم سيكلّفه التخلّص من سلاح “حزب الله” اذا ظلّ هو الآمر الناهي وتتجنب الدولة المواجهة معه خوفاً من تجدد الحرب الداخلية التي قد تستغلها اسرائيل لتنفيذ مخططاتها؟ وماذا في استطاعة الدولة الضعيفة في لبنان أن تفعل وكذلك قوى 14 آذار مع حزب مسلّح لا يهمه مصير لبنان بل مصير سلاحه ومصير من سلّحه؟ هل مطلوب وصاية ايرانية على لبنان لحلّ مشكلة هذا السلاح كما فرضت عليه وصاية سورية لحل مشكلة السلاح الفلسطيني عندما أصبح دولة داخل الدولة؟
الواقع أن إيران إذا كانت تريد حقاً الاستقرار في لبنان والمحافظة فيه على العيش المشترك وعلى السلم الأهلي، فما عليها سوى جعل الحزب يسلّم سلاحه الى الدولة كما فعلت أحزاب لبنانية من قبل، أو وضعه في كنفها، وإلا فلا دولة يمكن إقامتها في لبنان ولا استمرار لعيش مشترك إذا لم تتحقق المساواة والعدالة في كل شيء بحيث لا يشعر أحد بالخوف ولا بالغبن. فهل تساعد إيران لبنان على تحقيق ذلك… وكيف ومتى؟