IMLebanon

4 سنوات خطرة على الفلسطينيين

 

 

كل الأنظار موجهة إلى غزة: هل يتحقق اتفاق وقف النار وتبادل الرهائن أو يتعثر؟ لكنّ عمق القضية يكمن في السؤال: ماذا يخطط بنيامين نتنياهو ورفاقه في حكومة اليمين واليمين المتطرف، للفلسطينيين ككل، وليس لغزة وحدها؟

بات واضحاً أنّ كل ما يريده نتنياهو من الاتفاق المطروح للنقاش في غزة هو إطلاق الرهائن، لكي يتحرر من ضغط الشارع الإسرائيلي. أمّا وقف الحرب فهو أمر يرفضه في المطلق. وأقصى ما يمكن أن يوافق عليه هو وقف موقّت للنار، يشكل استراحة قصيرة في مسار حرب طويلة يُراد بها تحقيق أهداف استراتيجية خطّط لها الإسرائيليون منذ عشرات السنين، وهم يجدون أن عملية «حماس» في 7 تشرين الأول الفائت، بعدد الضحايا المُعلن عنه والمخطوفين الإسرائيليين، قد منحتهم ذريعة لشن حرب تحمل عنوان ملاحقة «حماس» والقضاء عليها بشكل كامل. بالتأكيد، كان الإسرائيليون يبحثون عن ذريعة لاجتياح غزة وتنفيذ المخطط، ولم يكن العثور عليها أمراً سهل التحقق. ولذلك، هم لن يضيعوا الفرصة التي سنحت بعملية «طوفان الأضحى».

 

الفرصة الثانية التي سيتمسك بها نتنياهو هي عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض. وبالتأكيد، لو كانت حظوظ بايدن هي الأعلى في معركة الرئاسة لكانت للإسرائيليين حسابات أخرى أقل طموحاً في غزة. فترامب العائد كان قد منح الإسرائيليين هدايا ثمينة في خلال ولايته السابقة، أبرزها الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل وإطلاق المسار الإبراهيمي للتطبيع بين إسرائيل وقوى عربية خليجية.

اليوم، تشكل عودة ترامب التي باتت شبه محسومة فرصة لا يمكن لنتنياهو أن يهدرها. وهو يطمح إلى تثبيت موقعه على قمة هرم السلطة في إسرائيل في خلال السنوات الأربع التي سيتولى فيها ترامب مقاليد السلطة في واشنطن، ليُتاح له تنفيذ ما أمكن من الخطط الاستراتيجية التي تم تصميمها.

 

للتذكير، ترامب هو الذي أطلق مشروع «صفقة القرن». وقد أعَدّه 5 من كبار مساعديه الأقربين، بينهم صهره جاريد كوشنير، وكلهم متعاطفون مع إسرائيل. وجوهر هذا المشروع هو تمكين إسرائيل من التحكم تماماً بالملف الفلسطيني، أي تصفية القضية الفلسطينية عملياً. وفي الصيف الفائت، كانت إدارة بايدن في صدد التحضير لمبادرة تعترف بوجود دولة فلسطينية، ولو شكلاً، أي من دون تحديد إطارها الجغرافي، رغبةً في دفع المملكة العربية السعودية إلى القبول بالتطبيع مع إسرائيل، لكن انفجار الحرب في غزة وضع حداً لهذا الاتجاه.

 

سيحاول نتنياهو اليوم إمرار الوقت بالمراوحة في غزة على مدى أشهر قليلة، ريثما يعود ترامب. والملامح الأولى للمشروع الإسرائيلي المُعَدّ لغزة باتت واضحة. فبعد تدمير أجزاء واسعة من المرافق والقطاعات والمنشآت السكنية في القطاع، بحيث باتت غير مؤهلة للحياة، يجري التخطيط لعملية تهجير واسعة من غزة من خلال المعابر نحو مصر. وفي «صفقة القرن»، هناك خطة لمقايضة بقعة من الأرض تقرب مساحتها الـ720 كيلومتراً مربعاً، تمنحها مصر لغزة من صحراء سيناء، وتعوّضها إسرائيل للمصريين بقطعة مساوية بمساحتها من صحراء النقب إلى سيناء.

 

بديهي أن يراهن نتنياهو على ترامب العائد لمحاولة تنفيذ هذا المخطط وتصفية القضية الفلسطينية تماماً. فحتى الضفة الغربية التي تقيم عليها اليوم السلطة الفلسطينية إدارتها مهددة بالعزل والإفراغ، إذا ما تم إشعال نار التوتر فيها بين الفلسطينيين والمستوطنين. فليس مستبعداً أن يقود توتر من هذا النوع إلى حدوث «الترانسفير» السكاني من الضفة الغربية إلى الضفة الشرقية للأردن، حيث الغالبية السكانية تصبح فلسطينية.

 

هذه التصورات المثيرة للقلق فلسطينياً لم تعد مستبعدة في ضوء ما يجري اليوم في غزة.

 

وعلى الأرجح، ستكون زيارة نتنياهو للولايات المتحدة، بعد أسبوع، ولقاءاته مع أركان الحزبين الديموقراطي والجمهوري، توطئة للاتفاقات التي سيتم إبرامها بين إسرائيل والإدارة الأميركية الآتية. ويتوقع أن يكون ترامب سخياً جداً مع نتنياهو، لأن ذلك سيرضي الأصوات اليهودية والداعمة لإسرائيل.

 

ولذلك، يمكن القول إن السنوات الأربع المقبلة، والتي سيتحكم فيها ترامب بالقرار الأميركي، طبعاً مع الأجهزة وذوي القرار، ستكون خطرة جداً على القضية الفلسطينية التي باتت معرضة لأكبر عملية تصفية.