IMLebanon

حماس والسُّنة وإيران أمام لحظة الحقيقة بعد اغتيال هنية وشكر

 

وضعتْ عمليةُ «طوفان الأقصى» القضية الفلسطينية أولوية عالمية وفرضت على عواصم القرار الالتفات إلى ما يجري في هذا الجزء من العالم من ظلم وإرهاب تمارسه دولة الاحتلال، فاهتزّت الدول في الأيام الأولى من التهديدات الأميركية ومن تصنيف الإدارة الأميركية حركةَ المقاومة الإسلامية (حماس) على أنّها حركة إرهابية «داعشية» وتقاعس البعض وانتظر وترقّب البعضُ الآخر بانتظار تمكّن الكيان الإسرائيلي من القضاء على المقاومة في قطاع غزة خلال بضعة أسابيع، لكنّ صمود حماس والصبر الأسطوري للشعب الفلسطيني صدم الجميع وأعاد التوازن التدريجي إلى المشهد الدولي.

فشل الكيان الإسرائيلي في استعادة توازنه الداخلي والخارجي وهو يعيش منذ «طوفان الأقصى» على «المسكِّنات» و«المقوِّيات» الأميركية، وغرق جيشُه في مستنقع غزة وبدأت مراكز الدراسات الغربية تسرّب ما خلاصته أنّه يستحيل على الجيش الإسرائيلي أن ينتصر، فهو لا يستطيع تجاوز الأنفاق ولا التخلّص منها، كما أنّ مسح شوارع غزة بالأرض أزالت الإحداثيات وتحوّلت بنايات ومنازل غزة المدمرة إلى متاريس نموذجية لحرب العصابات وغرقت دبابات الاحتلال في الحفر العملاقة التي أحدثتها القنابل العملاقة.

 

أمام فشل الاحتلال الإسرائيلي في كل سياساته لحفظ ماء الوجه، وأمام استحالة فتح مواجهة شاملة تفتّقت «عبقريّة الشرّ» خلال زيارة رئيس وزراء الاحتلال نتنياهو إلى الولايات المتحدة الأميركية عن الاستعاضة عن الحرب الشاملة بحرب الاغتيالات وتفعيلها لتطال الرؤوس الكبيرة، كما حصل في اغتيال رئيس الوزراء الفلسطيني ورئيس حركة حماس الشهيد إسماعيل هنية في طهران واغتيال الرجل الثاني في «حزب الله» الشهيد فؤاد شكر في الضاحية الجنوبية، مع ما يعنيه شخص الشهيدين والرمزية الكبيرة لمكان استهدافهما.

دفعٌ إسرائيلي نحو التصعيد: التحدّي في وجه إيران

خطا العدو الإسرائيلي خطوة متقدِّمة في دفع الصراع نحو مرحلة جديدة بهذين الاغتيالين لأنّ إيران باتت مضطرة لأن تقوم بالردّ المماثل لخطورة اغتيال هنية حتى لا تقع في دائرة شبهات كثيرة تتصاعد مع استمرار الغموض والالتباس الحاصل، وانهيار الثقة بقدرتها على حماية القيادات التي تستضيفها، والتسليم بالفشل الأمني المتراكم مع تتالي الاغتيالات على الأراضي الإيرانية لقيادات وعلماء إيرانيين ثم سقوط طائرة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي وما يكتنفها من غموض وشبهات.

إنّ ردّ إيران والحزب ضرورة لاستعادة الكرامة كما قال السيد حسن نصرالله على أن لا يكون رداً شكلياً، كما كانت الردود السابقة، وهذا يقرِّبنا من لحظة الحقيقة التي تعني المواجهة الحقيقية لا الشكلية وهذا يؤدّي نحو الحرب الموجبة لإيقاع الخسائر ودفع الأثمان الكبيرة التي لا تريد طهران وأحزابُها أن تدفعها كونها تهدِّد المكتسبات السياسية والمذهبية التي حقّقتها في لبنان والعراق واليمن، وهي أمام خيارين لا ثالث لهما:

 

– إمّا الاستسلام والتطبيع مع الكيان الإسرائيلي وفق تسوية تشبه ما تطرحه الدول العربية، وربما تكون أكثر تساهلاً.

 

– وإمّا أن تنخرط إيران ومحورُها في حرب انتصار حقيقية لغزة تصل فيها الصواريخ إلى تل أبيب وصفد وغيرها من المدن المحتلة.

أمّا البقاء على حالة «الإسناد» الشكلية الراهنة، فلم تعد ممكنة وقد سقطت عملياً باغتيال الشهيدين هنية وشكر.

مخاطر الصراعات الداخلية: إنصافاً لحماس

وعلى ضفاف هذه الأحداث الجسام، اندلعت مواجهات جانبية ذات طابع مذهبي، يتعلّق بموقف إيران المتناقض تجاه العالم السنّي، فهي عملت على إقصاء السنّة وضربهم وتهميشهم في العراق وسوريا واليمن ولبنان.. وتقوم بدعم حماس في فلسطين، القضية التاريخية للسنّة في العالم، وهذا انعكس رفضاً من شرائح واسعة لسياسة إيران طالت حماس نفسها، وإن كانت حدّة الانتقادات قد تراجعت بعد عملية «طوفان الأقصى» لصالح إعطاء الأولوية لدعم الفلسطينيين بعد هذا الانقلاب الكبير في الصراع.

لا يمكن تجاهل حقيقة الاختلاف الحاصل ببعده المذهبي والسياسي وهذا ما استجلب لحماس انتقادات كبيرة طالت إسماعيل هنية حتى في استشهاده، وقد كشف هذا التوجّه مستوى الانقسام والتردّي في إدارة التياينات داخل الحالة السنية، مع وجود من يشمت باستشهاد هنية ويطعن في سيرته وجهاده.

صحيح أنّ حماس تعاملت مع إيران تعامل المضطر بعد مسارٍ غير موفق مع الدول العربية، وقد زادت الشُّقّة بعد الربيع العربي مع اندلاع المواجهة مع الإخوان المسلمين، حتى بات البعض يعتبر أنّ انتصار حماس في غزة انتصار للإخوان، وأنّ هزيمتها هزيمة لما يسمّى الإسلام السياسي، ولو كان ذلك على حساب القضية الفلسطينية.

لكنّ هذا لا يمكن أن ينسف جهاد ونضال حماس وقياداتها وتضحياتهم الكبيرة والعظيمة، ولا شكّ أنّ الانزلاق إلى مهاترات تطال من ضحى بأسرته وحياته، هو ارتدادٌ إلى أسوأ أشكال الجاهلية المقيتة، ولو اتخذ ذلك شكل تناهشٍ وسجالات تلبس لبوس الدين.

كذلك، فإنّ هذا المسار يحتاج إلى المراجعة من حماس بنجاحاته وإخفاقاته، ويوجب من الحركة مصارحة مع الرأي العام الإسلامي والعربي والإنساني الذي يقف مع القضية الفلسطينية، فتتخلّى عن الصمت وتقول الأمور كما هي بضروراتها وموجباتها.

أمّا الدور الأكبر فيقع على إيران التي تعلم أنّ لم يعد كافياً أن تدعم حماس وبعض الفصائل لتكون مقبولة من الشارع السنّي الكبير، وأنّه لا يكفي أن يجتمع الأمين العام للجماعة الإسلامية مع الأمين العام لـ«حزب الله»، ولا أن تجري محاولات التقرّب أو الاختراق للمجتمع السنّي بالمساعدات والخدمات المختلفة.. ولا حتى محاولات احتواء أفرع الإخوان المسلمين في الدول العربية، فالإخوان لن يذوبوا في المشروع الإيراني، كما أنّهم لن يتحولوا إلى حالات موالية لطهران في داخل الدول العربية.

هل تتخلّى إيران عن التذاكي المذهبي؟

إذا أرادت إيران أن تدخل العالم السنّي بشكل طبيعي، فلا يمكنها الاستمرار في تصدير ثورتها ومحاولة فرضها على العرب سياسياً ومذهبياً، وعليها أن تنتقل من الثورة إلى الدولة وتبني مصالحها المشروعة بشكل سليم مع العرب والمسلمين، أمّا الإصرار على نشر الميلشيات، فلن يأتي بخير بعد كلّ هذا التدمير، والفرصة متاحة بعد الاتفاق السعودي – الإيراني الذي يمكن أن يتحوّل إلى مسارٍ جديد يوفر حصانة المسلمين في وجه المشروع الصهيوني ويضمن وضع الجهود المشتركة للوصول إلى الدولة الفلسطينية التي أعلنت حماس قبولها على حدود 1967 لتلاقي الرؤية العربية في هذه القضية.

كما أنّه لا يمكن للدول العربية أن تتجاهل أنّ الكيان الإسرائيلي يرفض مشروع الدولة الفلسطينية بشكل قاطع كما صوّت الكنيست مؤخراً، وهذا الرفض لا يمكن مواجهته إلّا بتعزيز فرص المقاومة الفلسطينية في الصمود والدعم الدبلوماسي حتى إسقاط نتنياهو وجرّ تلّ أبيب إلى مفاوضات متكافئة توصل إلى الحقّ الفلسطيني، وبالانتظار يبقى السؤال: كيف سيكون الردّ على الاغتيالات؟