Site icon IMLebanon

أوهام النصر وأشباح الهزيمة

 

 

تقترب الحرب الهمجية التي يخوضها المجرمون الصهاينة ضد قطاع غزة وأبناء الشعب الفلسطيني، وعمليات قتل المدنيين من الشيوخ والشباب والنساء والأطفال عن سابق عقيدة إجرامية وعمد وتصوّر من دخول شهرها السادس متخمةً بأوهام النصر لحكومة حرب نتنياهو، ومثخنةً بأشباح الهزيمة التي تحاصر الإسرائيليين من أهالي الأسرى والرهائن المعتقلين لدى حماس وفصائل المقاومة الفلسطينية حيث لا أمل لديهم في عودة أقاربهم عن طريق النصر العسكري المزعوم على وقع التهديد ببدء عملية اجتياح عسكرية واسعة لمدينة رفح آخر المناطق الآمنة على الحدود المصرية.

أوهام النصر لدى حكومة المتطرفين في تل أبيب يعززها الإجرام الإسرائيلي المتأصّل منذ نشأة الكيان الغاصب والقائم على جرائم العدوان والإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية، وتأييد غالبية المجتمع الإسرائيلي لمواصلة الحرب وسحق مدينة رفح وسكانها والنازحين إليها من الفلسطينيين الذين قارب عدد شهدائهم ثلاثين ألفاً، وجرحاهم سبعين ألفاً، وآلاف المفقودين، والدمار الشامل الذي لم يوفر الأبنية والأفران والمصانع والأراضي الزراعية، ولا حتى المساجد والكنائس والمدارس ومراكز الأونروا والمستشفيات، وفوق ذلك إحكام الحصار عليهم ومنع المساعدات عنهم في حرب التجويع التي تطال أولاً الأطفال والرُّضَّع أمام أنظار العالم والأمم المتحدة المكبلّة بفيتو أميركي وقح ومجرم ومتكرر ولاإنساني في مجلس الأمن لمنع استصدار قرار بوقف الحرب العدوانية والساحقة على الشعب الفلسطيني. وقد ندّد «فولكر تورك» مفوض الأمم المتحدة بالحصار المفروض على قطاع غزة واستخدام المجاعة وسيلة في الحرب، وهو ما يشكّل جريمة حرب في إطار القانون الدولي.

 

التعزيز الأكبر لهذه الأوهام يأتي من رجل البيت الأبيض «جو بايدن» ومن إدارته السوداء وزلّات لسانه التي لا تميّز بين «ماكرون» و«ميتران»، ولا بين «السيسي» والرئيس المكسيكي، وتوهانه على المنصة يميناً ويساراً، ومصافحته للهواء مراراً، وآخر هذه الزلّات التي لامست الحقيقة، نسبته العملية العسكرية الإسرائيلية في رفح للولايات المتحدة الأميركية بقوله: «عمليتنا العسكرية في رفح». والأكيد أن جميع أو غالبية الخلافات المفتعلة التي تتعمّد الإدارة الأميركية إظهارها بين بايدن ونتنياهو لتصوير «جو إنساني ومتعقّل» في مقابل «بنيامين أحمق ومتهور» ليست سوى محاولات مكشوفة لتخفيف الضغط عن الرئيس الأميركي الذي تراجعت نسبة تأييده في السباق الرئاسي بسبب مواقفه ومشاركته بالدعم المالي والعسكري اللامحدود لحكومة تل أبيب في الحرب على غزة، ولرفع المسؤولية الجنائية والأخلاقية عن واشنطن بما خص العدوان والفظائع المرتكبة من قبل الجيش الإسرائيلي والجرائم الوحشية التي تتم محاكمة إسرائيل بها بموجب الدعوى المقدمة من جنوب أفريقيا أمام محكمة العدل الدولية في لاهاي.

 

مليون وأربعمائة ألف فلسطيني من سكان رفح والنازحين إليها وباقي أفراد الشعب ينتظرون اتفاقاً جديداً وهدنة تعمل عليها جهود الوساطة المصرية القطرية بعد اجتماع باريس الذي سادته أجواء إيجابية بشأن إمكانية التوصل إلى حلول مرحلية قبل شهر رمضان المبارك، وعلى أمل وضع حد لمسلسل تهجير الشعب الفلسطيني وتصفية قضيته التاريخية والإنسانية وحقه في إقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشريف. ولا شك في أن المفاوضات الجارية تسلك مساراً صعباً من أجل إقرار هدنة لستة أسابيع في مرحلة أولى يتم خلالها تبادل الأسرى بشكل أساسي من النساء والأطفال وكبار السن، ولا يزال التوصل إلى وقف دائم لإطلاق النار بعيداً بسبب الخطط الإسرائيلية الهادفة إلى القضاء على حماس وتحرير الرهائن عبر الضغط العسكري وعدم القبول بصفقات التبادل التي تشمل جميع الأسرى والمعتقلين في السجون الإسرائيلية، ومعارضة «حل الدولتين» واتخاذ حكومة نتنياهو قراراً بالإجماع يرفض الاعتراف الأحادي الجانب بالدولة الفلسطينية، وهو ما تم تأييده بالكنيست بأغلبية ٩٩ صوتاً مقابل ٩ أصوات معارضة فقط.

 

في الجانب الفلسطيني لا خيار سوى الجهاد والنصر بالصبر أو الشهادة، وحتماً لن يكون نصراً في قضيتنا الفلسطينية دون وحدة الصف بين أبناء الشعب الواحد. ومع منع آلاف شاحنات المساعدات من دخول غزة وشمال القطاع واستمرار معاناة الشعب الفلسطيني في ظل ما يتعرض له من جرائم الإبادة والتجويع، وعدم استجابة نتنياهو لكافة مطالب حماس المهمة من وقف العدوان والانسحاب الكامل من غزة وعودة النازحين وتصفير السجون، ينخفض منسوب التفاؤل في قرب التوصل إلى صفقة تبادل ثانية بسبب إصرار كل طرف على السقوف العالية لمطالبه حتى لا يترجم خلاف ذلك إلى إقرار فعلي بهزيمة لا يمكن أن تقبل بها حكومة العدو ولا حركة المقاومة الإسلامية حماس.

وفي جانب العدو الإسرائيلي، وتحديداً ما يتعلق بحكومة نتنياهو وهروبها المستمر إلى الأمام من خلال إطالة أمد الحرب وبيع أوهام النصر للإسرائيليين، ومهما طغت واستكبرت فستظل أشباح الهزيمة تلاحقها طالما أن أهالي الأسرى الإسرائيليين يرون سيوف نتنياهو مسلّطة على رقاب أبنائهم وأقاربهم كما هي مسلّطة على الشعب الفلسطيني الأعزل، ودون القدرة على تحقيق النصر المزعوم على قدرات حماس القتالية في قطاع غزة. وهذا العجز العسكري في الميدان هو وحده من سيزيد الضغط على واشنطن ومجلس الحرب في إسرائيل لمتابعة التفاوض حول صفقة التبادل والهدنة.

أوهام النصر الإسرائيلية، والجنون الذي فجّره طوفان الأقصى في العقل الصهيوني الإجرامي، دفع بالأمور إلى كوارث إنسانية غير مسبوقة وحرب انتقامية ساحقة ومدمرة لن تتمكن من محو آثار الضربة الفلسطينية الجارحة (والقاتلة ولو بعد حين) في صميم الوجود الإسرائيلي في المنطقة. وليس الوقت للمحاسبة بين الفلسطينيين أنفسهم، أو بينهم وبين الأخوة العرب والمسلمين، ولا هو وقت المفاضلة بين خياراتهم وأثمانها، ولكن عسى أن نتنبّه إلى أن غاية العمل المقاوم يبقى في ردع العدو وحماية الشعب، وغاية عمل الأخوة نصرة الشعب المظلوم وإغاثته من ويلات الحرب والمجاعة. وعسى أن تكون أفعالنا القادمة رادعة للعدو وحامية وناصرة لشعبنا وأهلنا في فلسطين.