لبنان يترأس في 28 الشهر الحالي اللجنة الاستشارية الإقليمية لـ«الأونروا»
قد لا تكون هي اليوم المرحلة الأصعب بالنسبة الى العلاقة الفلسطينية مع لبنان، لكن يمكن اعتبارها الأدق وسط متغيّرات إقليمية تفتح لبنان ومعه قضية اللاجئين على آفاق يصعب التنبؤ بها.
فالمخيمات التي شكلت عنصر قلق على الدوام بالنسبة الى الداخل اللبناني، تعيش مرحلة من الاستقرار الأمني بعد جهد فلسطيني كبير داخلها من قبل الفصائل بتنسيق كامل، أمني ولكن ايضا سياسي يشكل غطاءه، من قبل لبنان الرسمي، لا سيّما الأجهزة المعنية بالحفاظ على هذا الاستقرار الذي لطالما كان هشّاً.
فمن ناحية الفلسطينيين الذين أجروا مراجعة شاملة للماضي، هم كانوا قد استندوا منذ سنوات الى «معادلة ثلاثية» قوامها: أولا، مجابهة أي صراع فلسطيني فلسطيني. ثانيا، مواجهة أي صراع فلسطيني لبناني. ثالثا، الوقوف في وجه أي فتنة سنية شيعية في لبنان.
وقد أدت تلك المحرمات الى تحييد الفلسطينيين على قاعدة رفض استجلاب التوترات الإقليمية وعدم التحول إلى أداة شحن مذهبي.
الاستقرار الأمني وليد الاستقرار المعيشي
ثمة «معادلة» مؤداها أن اذا وُجد الاستقرار المعيشي والاجتماعي وُجد الاستقرار الأمني. هذا ما تتفق عليه الفصائل كافة ويؤكد نائب المسؤول السياسي لحركة «حماس» في لبنان جهاد طه، أن الموقف الفلسطيني موحد تماما هنا على صعيد الفصائل وهيئة العمل الفلسطيني المشترك واللجان الامنية، وثمة اجماع على ضرورة حفظ الامن والاستقرار كون حفظهما هو جزء لا يتجزا من امن لبنان، عائدا في الذاكرة الى العام 2013 حين تم تكريس هذه المعادلة لمواجهة أية تجاذبات اقليمية او لبنانية وتحصين التجمعات الفلسطينية.
من الواضح بالنسبة الى الفصائل بأن قوة لبنان هي بالتوازي قوة داعمة للقضية الفلسطينية، لكن الفصائل تطالب دوماً بالحقوق المدنية للاجئين. وقد تلمّست خيرا من تشكيل الحكومة الجديدة، ويلفت طه النظر الى «اننا نريد للبنان أن يخرج من ازماته السياسية والاقتصادية والاجتماعية ونحن نطالب منذ كانون الاول العام 2015 وحتى قبل تلك المحطة الاساسية لتشكيل مجموعة العمل اللبناني من اجل معالجة قضايا اللجوء الفلسطيني التي انبثقت عن لجنة الحوار اللبناني الفلسطيني، بتلك الحقوق».
ويشير الى ان ممثلي معظم الكتل البرلمانية وافقوا على الرؤية اللبناني بمعالجة قضايا اللجوء الفلسطيني، «ونحن رحبنا بذلك وما نطلبه أن تُتَرجم التوصيات التي خرجت بها المجموعة الى قوانين في مجلس النواب تعطي الحقوق الانسانية والاجتماعية التي حرم منها الفلسطيني وكفلتها كل الشرائع الدولية وهي شرائع يُعنى بها اللجوء».
من ناحية لبنان، فقد تم أخيرا تعيين الدكتور باسل الحسن رئيسا للجنة الحوار وهو ما تتفاءل به الفصائل لتفعيل عمل اللجنة ومعالجة القضايا على مجمل الساحة الفلسطينية في لبنان التي يتوزع عليها 12 مخيماً و156 تجمعاً فلسطينيا.
ad
تدرك الفصائل الوضع اللبناني الصعب، لكنها تطالب بالحقوق لا سيما ان القضايا تزداد سوءا مع تراجع أداء «الأونروا» وتقديماتها في المخيمات التي كانت اوضاعها في الأصل صعبة جدا.
نريد أرضية ممكن ان ننطلق منها لنبدأ في حق العمل والتملك ضمن قوانين معينة، حسب طه «اذ لا يجوز ان يكون لزاما الحصول على اجازة عمل فقضية اللاجئين هي في الاصل قضية سياسية ويجب ان نتعامل معها من هذه الخلفية، ونحن على تماس مباشر مع لجنة الحوار وكانت عقدت اجتماعات كثيرة وصلت الى نحو 50 اجتماعا للوصول الى هذه الرؤية».
لكن بعد سنوات لم يترجم الامر عمليا والمشكلة حسب الفصائل هي لدى الجانب اللبناني، وثمة معوقات حالت دون التنفيذ.
ويعيد القيادي الفلسطيني الأمر الى المخاوف من التوطين «لكن موقفنا واضح وهو موقف كل المكونات الفلسطينية برفض التوطين ونحن ثمنّا الموقف الرسمي الرافض له والداعم لقضية الفلسطينيين، ونحن مثله تماما متمسكون بحق العودة، وريثما تتأمن هذه الظروف ينبغي ان يُدعم اللاجىء الفلسطيني ببعض الحقوق الانسانية والاجتماعية لكي يبقى متمسكا بمشروع العودة».
ويسأل: نريد موقفا تاريخيا من لبنان، فهل يجوز مثلا ان يعيش 90 ألف لاجىء في بقعة جغرافية لا تزيد عن كيلومتر مربع او كيلومتر ونصف؟! لدينا مشكلة ديموغرافية وانسانية واجتماعية ونعوّل على لبنان الرسمي وعلى المستوى الوطني في سبيل إلتفاتة حقيقية وجادّة لقضايا اللاجئين».
في هذه الأثناء، ينتظر الفلسطينيون اعادة اطلاق الحوار مع لبنان «فنحن حريصون على نسج افضل العلاقات مع لجنة الحوار ومع الحكومة ومع مجلس النواب وكل المكونات اللبنانية. الساحتان الفلسطينية واللبنانية توأمان في الصراع ومواجهة كل التحديات والوفد الفلسطيني مُشكل من خمسة اشخاص وله هيكلية ويمثل كل المكونات على الساحة وليس هناك اي عائق من قبلنا».
والواقع ان منذ تشكيل لجنة الحوار في العام 2005، حدثت عوائق فلسطينية ولبنانية داخلية لم تدعم هذا الحوار لا سيما وسط الاحداث الاقليمية المشتعلة. وبينما تأخر الفلسطينيون في حلّ خلافاتهم على تشكيلة الوفد المفاوض، ما تذرّع به لبنان، فإن المشاكل اللبنانية وازماته المتلاحقة كانت كافية لتجميد أي نتيجة لهذا الحوار الذي يعتبر حاجة لبنانية كما هي فلسطينية.
ويتمثل التنسيق الثنائي وتعاون الفصائل خصوصاً، في الجانب الأمني تحديدا وقد أثمر مواجهة لفصائل مسلحة كانت تريد العبث بأمن المخيمات ولبنان. لكن هذا الجانب، على أهميته، لم يكن يوما كافيا، وكان مطلب الفلسطينيين دوما النظر إليهم بعدالة ومقاربة قضاياهم المعيشية والحياتية كون ذلك من شأنه تعزيز ذلك الجانب الأمني نفسه الذي سيكون قاصرا عن مقاربة قضية اللاجئين من دون عدالة اجتماعية تقي لبنان شرّ أي هزّة في المخيمات، وهو الذي يعاني أزمة اقتصادية واجتماعية خانقة. فأي مجاعة لبنانية ستكون وبالاً على الفلسطينيين أيضا وهم الذين يعانون تاريخياً ويطالبون بمقاربة الموضوع الفلسطيني ضمن رزمة واحدة ويعمل لبنان على اطار استراتيجية موحدة وشاملة للموضوع.
ad
مخاوف من الشروط الأميركية
وكانت «الأونروا» خفضت تقديماتها كثيرا، واليوم وضعت عليها الادارة الاميركية، المموّل الاكبر، بعد عودتها الى التمويل الكامل وتقديم 150 مليون دولار كانت الادارة السابقة قد حجبتها، شرطا ان لا تذهب المساعدات «في شكل مباشر او غير مباشر، لتقديم الدعم للأفراد او الكيانات المرتبطة بالإرهاب»، حسب اتفاقية الإطار للتعاون بين الطرفين، وهو ما يثير مخاوف الفلسطينيين بأن يتم شمل عائلات من تربطهم واشنطن بالإرهاب.
وعلى هذا الصعيد، من المنتظر أن يتسلم لبنان في 28 من الشهر الحالي دورته في رئاسة اللجنة الاستشارية الاقليمية لـ«الأونروا» لمدة سنة، وسيشكل ذلك فرصة له لطرح قضية اللاجئين.