يُعتبر النزاع الفلسطيني الإسرائيلي من أبرز الأحداث المحيطة بمنطقة الشرق الأوسط، وهذا النزاع أخذ طابعًا عنفيًا بين كلا الطرفين مع الأخذ في الإعتبار أحقيّة الشعب الفلسطيني في استرجاع أراضيه من هيمنة الإسرائيليين إستنادًا إلى المبادرة التي أطلقها الملك عبدالله بن عبد العزيز في الشرق الأوسط بين إسرائيل والفلسطينيين، وهدفها إنشاء دولة فلسطينية معترف بها دوليًا على حدود 1967. للتذكير إنّ القرار 242 الصادر عام 1967 كان العلامة الفارقة في تاريخ النزاع الفلسطيني الإسرائيلي لأنه أصبَغ صفة دولية على مفهوم «الأرض مقابل السلام»، ونذكر أيضًا أنّ منظمة التحرير الفلسطينية قد قبلت عمليًا بالقرار 242 بعد إعلانها الإستقلال في تشرين الثاني 1988، ووافقت على أنه إلى جانب قرار مجلس الأمن الرقم 338 ينبغي أن يكون أساسًا للمفاوضات مع إسرائيل.
المنطق السياسي العلمي يعتبر إدارة الصراع التنظيمي من الإدارات ذات العلاقة بأنشطة الدبلوماسية في أيّ مؤسسة فكرية، حيث تضطلع الإدارة بمسألة إدارة الصراعات على جميع المستويات خاصة منها الصراع بين الدول داخل المجموعات الإقليمية أو الدولية، وقد حظيَ هذا الأمر باهتمام الكثير من الباحثين والممارسين في مجالات السلوك الدبلوماسي التنظيمي وإدارة التوترات بين الدول وذلك نظرًا للتعقيد وارتباط الموضوع بمتغيرات عدة ترتبط بأحقية الشعوب في تقرير مصيرها وطبيعة الحلول المبنية على شرعة حقوق الإنسان.
يقع موضوع «إدارة الصراع الفلسطيني الإسرائيلي» والأزمات التي تنشأ عنه من ضمن الأنشطة الأكاديمية الديبلوماسية لكثير من الباحثين وعلى مختلف إختصاصاتهم، ومن المفترض أنْ يُدار بصورة جيّدة وآليات علمية، ذلك أنّ التراكمات المستمرّة للنزاع في مختلف المستويات من شأنها أن «تُوزِّمْ» الأمور وتُعقِّدْ العلاقات لتتحوّل إلى حالات الأزمات المستفحلة والتي تُعتبر أشد أثرًا وتأثيرًا على كثير من المتغيرات التنظيمية من النزاع نفسه.
أفرزت التطورات الأخيرة في قسم من الأراضي الفلسطينية عددا من التوجهات حيث أبرزت واقعاً جديداً وأدخلت مفاهيم حربية مَسّت كافة المؤسسات الفلسطينية في قطاع غزّة، ما فرض على هذه الأخيرة أن تتّسِم بملامح ورؤى لا تتوافق مع طبيعة السلطة الفلسطينية القائمة على اتفاق أوسلو الذي يُعتبر منعطفًا مهمًا في مسار القضية الفلسطينية، فقد أنهى النزاع المسلح بين منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل، ورتّبت لإقامة سلطة وطنية فلسطينية في الضفة الغربية وغزة ووقّعها كل من إسحق رابين عن الجانب الإسرائيلي وياسر عرفات عن الجانب الفلسطيني في حضور أميركي.
إنّ أحد المضاعفات الرئيسية للأزمة الحالية هو طريقة تعريف متغيِّر الأزمة الفعلي، فمن الحكمة دائمًا ممارسة الإتصالات الداخلية والخارجية الفعّالة للتعامل مع الأزمة الحاصلة بدقّة. إنّ توّقع المستقبل إلى درجة معينة أمر قابل للتطبيق، ولذلك فإنّ هذا هو الدور الحاسم للدبلوماسية الفلسطينية العربية والإسرائيلية لتحديد وتحليل المواقف المعرضة للأزمة الحالية. ومن الضروري توخّي اليقظة والإستعداد لأي سيناريو خصوصاً في هذه البيئة الفلسطينية ـ الإسرائيلية المضطربة. بصريح العبارة الفكر البنّاء ـ الدبلوماسية ـ التفكير الإستراتيجي هي سِمات المرحلة وعناوين للتفاوض، والإتصالات الكافية هي مفتاح الديبلوماسية الفاعلة لتلك الأزمة، وإنّ إدارة الملعومات الديبلوماسية الفعّالة أمر بالغ الأهمية، ويرجع ذلك إلى وجود دبلوماسية قوية أساسية يجب الإستناد إليها في حالة الأزمة الحاضرة.
هذه الأزمة على حدّيتها وشكلها ومصدرها، لا بُدّ للدبلوماسية العربية ـ الفلسطينية ـ الإسرائيلية ـ الغربية أن تعتمد الإستراتيجيات الفعّالة من أجل معالجتها أو حتى مجابهتها، أو التقليل من آثارها السلبية، ويجب أن تشمل هذه الإستراتيجيات منظومات معتمدة سابقًا ومحاور جديدة متطورة قادرة وفعّالة للتغلُّب على تلك الأزمة التي أحدثتْ حربًا ضروساً وشرّدتْ وقتلتْ واستباحت كل المحرمات، كما الحد من خطورتها وخطورة نتائجها الكارثية. تلك الأزمة أصبحتْ أمرًا واقعًا متوقعًا لجميع الدول وتحديدًا في شرق مليء بالتناقضات والتيارات المعاكسة للأطر الديموقراطية. كما أنّ إدارة هذه الأزمة تُعتبر المقياس الحقيقي لمعرفة قدرة السلطة الفلسطينية وجامعة الدول العربية والأمم المتحدة وإسرائيل على إدارة الظروف القائمة، وهي فرصة لإثبات الذات لكل الأطراف المعنية.
إنّ جزءاً من منطقة الشرق الأوسط يضم دولاً عدة نشأت بعد الحرب العالمية ومنها دولة فلسطين ودولة إسرائيل، وإنّ هاتين الدولتين هما تقاطع طُرق للأديان والثقافات والسياسة والأمن والإقتصاد. لذلك، إنّ كثيرا من المدن في تلك الدولتين له الرمزية والأهمية التاريخية. وبالتالي، من المفترض إيجاد مخرج لائق لتلك الأزمة الحالية والتي بلغت ذروتها بعد السابع من تشرين الأول دمارًا وقتلاً وتشريدًا، والعنف يبقى مكلفًا للجميع لا سيما على المستوى الإنساني حيث من الأفضل والأهم على الفلسطينيين والإسرائيليين والدول العربية من ضمنها جامعة الدول العربية، وخصوصا الدور الريادي والطليعي للمملكة العربية السعودية، القيام بمسارات سياسية جديدة لحل الأزمة وعلى الديبلوماسية أن لا تتوقف للحظة في التعامل مع تداعيات الأزمة، والحراك الديبلوماسي يجب أن يتمحور حول الثوابت الآتية:
1- وقف شامل لإطلاق النار في قطاع غزة.
2- نشر قوات عربية على طول حدود قطاع غزة منعًا لحدوث أي خرق لقوى استغلالية.
3- تطهير غزة من الأنفاق والسلاح غير الشرعي.
4- منع أي تراسفير من قطاع غزة لأي منطقة أخرى.
5- إعادة ترتيب أوضاع قطاع غزة: إنسانيًا – تربويًا ـ تثقيفيًا ـ إنمائيًا ـ ماليًا ـ عمرانيًا.
6- إنشاء مدارس خاصة تثقيفية للشباب بغية عدم جَرّهم إلى الحروب والإرهاب.
7- مساعدة السلطة الفلسطينية على إعادة تركيز سيطرتها في قطاع غزة ضمن الإمكانيات المتاحة، وذلك بالتنسيق مع جامعة الدول العربية ومنظمة الأمم المتحدة بإشراف المملكة العربية السعودية.
8- منع أي تدخّل في شؤون دولة فلسطين وذلك بإصدار قرار عربي أممي يمنعه.
إنّ الحوار هو المخرج لإيجاد مقاربة سياسية علمية للنزاع الفلسطيني ـ الإسرائيلي برعاية عربية دولية وبإدارة السعودية التي في إمكانها أداء الدور المحوري في هذا الحوار.