إهمال الحكومات المتعاقبة وعدم تطبيقها القوانين أدّيا إلى تمسُّك فئات لبنانية وغير لبنانية بـ»الأمر الواقع» معتبرين أنه حقٌّ مُكتسب. وهذا ما أدّى إلى شعور هذه الفئات بالإستهداف وإلى ردود فعلٍ مبالغة، عند تطبيق القوانين اللبنانية المرعية. وتنطبق هذه الحالة على ردود الفعل الفلسطينية المُعترضة على تطبيق وزير العمل كميل أبو سليمان قانون العمل وخطة الوزارة لمكافحة اليد العاملة الأجنبية غير الشرعية. الإستفزاز والضغط لن يؤثرا على أبو سليمان ولن يثنياه عن تطبيق الخطة، مستنداً إلى القانون فقط. وقد نال عَمل وزير العمل تأييدَ رئيس حكومة «إلى العمل».
تجلّت أمس مظاهر التنديد الفلسطيني في مواقف بعض الجهات الفلسطينية واللبنانية، وفي الإضراب وإحراق الإطارات في عدد من المخيمات الفلسطينية، كذلك في مسيرة فلسطينية انطلقت من جسر الكولا في إتجاه مجلس النواب «رفضاً للإجراءات التعسفية تجاه العمال والتجار الفلسطينيين في لبنان، ولضمان حقهم في العيش بكرامة»، لكنّ القوى الأمنية منعت وصولها إلى المجلس حيث كانت تُعقد الجلسات لإقرار الموازنة.
ورأى البعض مبالغة في ردود الفعل على ضبط مخالفتين لأصحاب مؤسستين فلسطينيتين من أصل 550 مخالِفة لقانون العمل ضبطت منذ الأربعاء الماضي، وعلى ضرورة إستحصال أصحاب العمل أو العمال الفلسطينيين على إجازة عمل، خصوصاً أنّ العامل الفلسطيني مستثنى من دفع رسم إجازة العمل وأنّ صاحب العمل الفلسطيني يدفع 25 في المئة فقط من قيمة رسم إجازة العمل الخاصة بأصحاب العمل.
إستمرت هذه الاحتجاجات على رغم تأكيد أبو سليمان أن «لا إستهداف للفلسطينيين»، بل إنّ الوزارة مستعدة لتسهيل استحصالهم على إجازات العمل، إنما تحت سقف القانون لا الضغط أو فرض القوة. وهذا ما أوضحه خلال إجتماعه، أمس الأول في الوزارة، مع السفير الفلسطيني اشرف دبور ورئيس لجنة الحوار اللبناني-الفلسطيني الوزير السابق حسن منيمنة يرافقهما وفد فلسطيني.
وعلى خلفية التحركات الفلسطينية، دعا دبور الفلسطينيين في لبنان إلى «إفساح المجال أمام الحوار الهادئ والبنّاء، الذي تجريه القيادة السياسية الفلسطينية مع الجهات الرسمية اللبنانية لمعالجة التأثيرات السلبية على حقهم في العيش الكريم نتيجة قانون العمل للخروج بنتائج عملية، ومن خلال الحوار البنّاء الذي نؤكد أنه سيوصلنا إلى نتائج إيجابية سيتلمّسها أهلنا قريباً جداً».
لم يعلم معترضون كثر على ماذا يعترضون فعلاً، وربطوا تطبيق القانون اللبناني بـ«صفقة القرن» والإستحصال على إجازة عمل بمطالب أبعد مثل حقّ العمل والتملّك. كذلك ندّد المتظاهرون بـ«صفقة القرن» وبعدد من الدول العربية والخليجية. لكن واقعياً، من الأسباب الفعلية والعملية للإعتراض على تطبيق القانون، شروط الإستحصال على إجازة العمل، وأنّ تسجيل العامل الفلسطيني يفرض على صاحب العمل دفع 23.5 في المئة من قيمة راتبه للضمان الاجتماعي ليستفيد العامل من تعويض نهاية الخدمة. كذلك، إعتبر البعض أنّ للفلسطينيين وضعاً مميّزاً يختلف عن بقية الأجانب في لبنان، ويجب التساهل معهم.
أمّا نظرية المؤامرة أو إستهداف الفلسطينيين فيرى فيها البعض مجرّدَ «خيال» أو «إستهداف» لأبو سليمان الذي يعمل على تطبيق القوانين وعلى تنظيم العمالة في لبنان وعلى حماية العمّال اللبنانيين وتأمين الموارد المالية للدولة.
ويقول أبو سلميان لـ«الجمهورية»: «ضبط مخالفتين لفلسطينيين من أصل 550 مخالفة ضُبطت في مختلف المناطق اللبنانية يدلّ على أنّ الفلسطينيين ليسوا مُستهدَفين». وإذ يشير إلى أنّ ثمة جهات فلسطينية تطلب إستثناء الفلسطينيين من عمّال وأرباب عمل من الخضوع للقانون، يوضح «أنّ استثناءَهم ليس من صلاحياتي، بل يتطلب تعديلاً قانونياً»، وقال «لا يُمكننا تطبيق القانون جزئياً وأن نُغرّم اللبنانيين والأجانب وأن نستثنيَ الفلسطينيين فقط».
يتفهّم أبو سليمان أن تستفسر جهاتٌ فلسطينية عن الأمر، إذ «إنهم اعتادوا أن لا يطلب منهم أحد إلتزام القانون ويسألون ماذا تغيّر الآن؟»، لكنّ ربط توقيت الخطة بـ«صفقة القرن» ووضعها في إطار «المؤامرات»، هو «تمويه للواقع ونظريات بعيدة كل البعد عن الحقيقة»، مشيراً إلى أنه أعلن الخطة منذ أكثر من شهرين، وحُددت فيها المهل لتسوية الأوضاع قبل أن يبدأ التفتيش في 10 تموز.
وما يُشير إلى «المبالغة» بردود الفعل الفلسطينية وحتى اللبنانية أنّ أبو سليمان سبق أن أكّد للجهات الفلسطينية التي التقاها أنه مُستعد أن يقدّم التسهيلات لتسوية الفلسطينيين أوضاعهم ولإستحصالهم على إجازات عمل، لكن تحت سقف القانون وليس تحت الضغط.
وإذ يطالب الفلسطينيون بتراجع أبو سليمان عن قراره، يقول وزير العمل إنّ «القانون لا يستهدف الفلسطينيين، بل العمالة غير الشرعية الأجنبية عموماً، والنازحين السوريين خصوصاً»، ويسأل: «لماذا يعتبر الفلسطينيون أنفسَهم مُستهدَفين؟ وعن أيِّ قرار يطالبونني أن أتراجع وأنا لم أتّخذ قراراً بهذا الخصوص أساساً؟ أو أنهم يريدون مني وقفَ تطبيق القانون؟»
تحاول وزارة العمل إستيعابَ الهواجس الفلسطينية وتبديدها، وفي هذا الإطار عُقد إجتماع في الوزارة أمس بين مسؤولين في وزارة العمل ومسؤولين فلسطينيين. وعلى رغم أنّ أبو سليمان لم يُشارك في الإجتماع لأنه تزامن مع مُشاركته في الجلسة في مجلس النواب، إلّا أنه تابع مجرياته.
أجواءُ الإجتماع كانت «إيجابية»، لكنّ أيَّ اجتماعٍ في هذا الإطار لا يهدف للوصول إلى اتفاق بين وزارة العمل والجهات الفلسطينية، بل يأتي في سياق المشاورات، إذ إنّ القرار يعود لوزارة العمل. ويشير أبو سليمان إلى أنه سبق أن أكد للجهات الفلسطينية التي التقاها أنّ الوزارة مستعدة لدرس آلية تطبيق لتسهيل الإستحصال على إجازات العمل، حين يخفّ الضغط. ويوضح «أننا لا نقول لهم استحصلوا على إجازات ثمّ نضع شروطاً مستعصية لذلك. فنحن لا نعمل بهذه الطريقة وليس هذا ما نريده».
وإذ يشير إلى أنّ أحد الفلسطينيين المخالفين وهو صاحب معمل سيراميك في الكورة في الشمال توجّه أمس إلى الوزارة ليسوّي وضعه، يؤكّد «أننا سنساعده إلى أقصى الحدود، فهدفنا ليس تعذيب الناس، بل تسهيل أمورهم».
يرى البعض أنّ ردود الفعل على قرار أبو سليمان قد تكون مرتبطة بخلفيات حزبية، إلّا أنّ هذا الأمر يُزعج أبو سليمان الذي يبذل جهده للعمل بموضوعية وحمل راية القانون والعمل فقط لا غير. ويقول: «التفتيش طاول كل المناطق وبدأ من الضاحية الجنوبية حيث مقرّ الوزارة ولم يميّز أو يستثني أيَّ جهة أو يستهدف جهات محددة، بل إنه استهدف المخالفين أيّاً تكن هوياتهم. ولا يُمكنني أن أفعل أكثر من ذلك. ولن أتراجع لا عن الخطة ولا عن تطبيق القانون ولا ينفع معي لا الإستفزاز ولا الضغط. وفي المقابل يمكنُ إيجاد الحلول لكن تحت سقف القانون».
هذا الأخذ والرد بين الوزارة والفلسطينيين استفسر عنه رئيس الحكومة سعد الحريري، فسأل أبو سليمان عن الأمر على هامش الجلسة النيابية أمس، وأوضح له وزير العمل «القصة»، فكان جواب الحريري: أكمِل العمل.