IMLebanon

مشروع مصالحة فلسطينية – فلسطينية يسبق «اليوم التالي»

 

 

على هامش الحرب التي تجاوزت يومها التاسع بعد المئة في غزة ولبنان وتداعياتها على اكثر من ساحة، لم تتوقف المبادرات الدولية والاممية توصّلاً لما سيكون عليه الوضع في اليوم التالي لوقفها. وفي الموازاة تسرّبت معلومات عن إحياء مشروع مصالحة فلسطينية – فلسطينية استعداداً لتلك المرحلة. فأصحاب الفكرة مقتنعون بضرورة الجمع بين ما تحظى به السلطة ومنظمة التحرير من «شرعية دولية» وما نالته حماس من «شرعية شعبية». وعليه، هل من آمال تُبنى عليها؟

لا يبدو الحديث عن مشروع مصالحة فلسطينية – فلسطينية شاملة أمرا مستغربا، فالمحاولات كانت متعددة ولا سيما في أعقاب أي مواجهة اسرائيلية – فلسطينية كانت فيها قوات الاحتلال تتفرد بإحدى الفصائل مع تحييدها لنظيراتها الفلسطينية، بمعزل عن قواها وأحجامها وقدراتها القتالية. ولا سيما تلك التي جرت قبل نهاية ولاية الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب عندما سعى الى البَت بما سُمّي «صفقة القرن» قبل خسارته الانتخابات الرئاسية التي حالت دون ولايته الثانية في خريف العام 2020 في مواجهة الرئيس الحالي جو بايدن. كما في أعقاب الجولة الاخيرة من العنف بين اسرائيل وحركة الجهاد الإسلامي في ربيع العام الماضي التي وقفت فيها الفصائل الاخرى على الحياد، ولا سيما حركة «حماس» التي تعتبر احدى أكبر الفصائل التي تسيطر على قطاع غزة، والتي كانت قد خاضت قبل أشهر عدة مواجهة مماثلة شاركت فيها منظمات أخرى بطريقة خجولة قبل ايام قليلة من التوصّل الى اتفاق لوقف النار برعاية مصرية.

لا تكتفي المراجع الفلسطينية بتقديم هذه الصورة عن مشاريع المصالحات البينية، وهي تجد نفسها مضطرة الى التوقف امام احدى اكبر المحاولات وأكثرها جدية التي جرت في الأسبوع الأخير من تموز الماضي عندما انخرطت كلّ من أنقرة والقاهرة، بعد المصالحة الكبرى بينهما، بقيادة محاولة كبيرة تُرجمت بلقاءات مشتركة بين وفود من مختلف المنظمات الفلسطينية بعد جولات عقدت في أكثر من عاصمة عربية، إلى أن أُعلن في نهاية زيارة وفدين من فتح ومنظمة التحرير الفلسطينية، الممثّل الوحيد والشرعي للشعب الفلسطيني من جهة وحركة حماس من جهة اخرى الى أنقرة، التجاوب مع الدعوة التي وجّهها رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس لعقد لقاء شامل وموسّع على مستوى الأمناء العامّين للمنظمات من دون استثناء.
وبالفعل لم تمر ايام حتى عقد هذا اللقاء غير المسبوق في الثلاثين من تموز الماضي في «مدينة العلمين» في «العاصمة المصرية الادارية الجديدة»، سعياً الى التفاهم الشامل الذي يتجاوز ما هو مطروح من مشاريع تفاهمات بين حركتي فتح وحماس لتعميمها على مستوى المنظمات المنضوية تحت جناح السلطة ومنظمة التحرير الفلسطينية بمختلف أطرافها وباقي معارضيها الذين لم ينضووا تحت لوائها. ولا ينسى أحد من المراقبين انّ حماس انضَمّت وحيدة الى المؤتمر بعدما رفضت حركة «الجهاد الإسلامي» المشاركة في أي لقاء، أيّاً كان جدول أعماله وأهدافه – التي لا يمكن ان يرفضها أي فلسطيني إن أرسَت قواعد المصالحة الشاملة – قبل ان تفرج السلطة الفلسطينية عن جميع مسؤوليها وعناصرها من سجونها في الضفة الغربية.
وعل الرغم من الرعاية التركية – المصرية المباشرة للمؤتمر، فقد حظيت الخطوة برعاية أوسع جمعت الى جانب راعيها كلّاً من الجزائر، المملكة العربية السعودية، الاردن، روسيا والصين، ولكنها لم تكتمل فصولها وعجزت المساعي المبذولة من اجل ان يصل المؤتمر الى ما أُريد منه. فرفعت تلك الجلسة اليتيمة ولم تتوصل اللجنة المشتركة التي جمعت ممثلين من مختلف المنظمات الى اي صيغة مطلوبة طيلة الأسابيع الفاصلة عن عملية «طوفان الاقصى» التي تفرّدت بها حماس، فاختلطت الأوراق من جديد وباتت تلك المحاولة من التاريخ.

وعلى وَقع ما فعلته عملية «طوفان الاقصى» والرد الاسرائيلي بـ»السيوف الحديدية» في غلاف غزة والداخل الاسرائيلي وجنوب لبنان وتداعياتها المتناسلة في الجو والبر والبحر من سوريا والعراق الى اليمن وصولاً الى الجبهتين الايرانية – العراقية والباكستانية، كان لا بد من ان تتجدّد المساعي من اجل المصالحة الفلسطينية – الفلسطينية بعدما بلغت المساعي المبذولة باتجاه ما يسمّى بـ»اليوم التالي» لِما بعد الحرب الطريق المسدود، وما يمكن ان يتقرّر بشأن شكل وهوية ودور «السلطة الفلسطينية الجديدة» التي ستحكم قطاع غزة، ان تمّ التوصّل الى هذه المرحلة في اي وقت قريب.
على هذه الخلفيات، تجددت الإتصالات على اكثر من مستوى من اجل إحياء المساعي المبذولة للمصالحة الفلسطينية تجاوباً مع مشاريع الحلول المقترحة كحل للوضع في غزة، خصوصاً ان الضغوط الاميركية والسعودية قد بلغت الذروة توصّلاً الى «حل الدولتين». إذ انه لا يمكن برأي السّاعين الى هذه المصالحة البقاء على الحياد في ظل الجمود الذي يتحكم بالعلاقات بين المنظمات الفلسطينية، خصوصاً تلك التي تحكم الضفة والقطاع، وانّ أي مشروع لإعادة توحيد المنطقتين تحت راية السلطة الموحدة لا بدّ له من أن يؤمّن الحد الادنى الذي يمكن ان يقود الى قيام سلطة جديدة ان تقرر ان يبقى القطاع أرضاً فلسطينية بعد انسحاب الجيش الاسرائيلي ان تحقق منها.
وفي خلفية الساعين الى مثل هذه المصالحة التي تسعى اليها موسكو وأنقرة بموافقة ضمنية من الصين والمملكة العربية السعودية وقطر ومصر من الحديقة الخلفية للمشاورات، انّ الوقت قد حان لإجراء نوع من الدمج بين شرعيتين فلسطينيتين يمكن ان يشكّلا المادة الأولية لأية مصالحة، وهي تختصر بما يمكن قيامه من تنسيق لا بد منه بين فتح وحماس كخطوة أولى.

وعليه، فقد أظهرت التقارير الواردة من موسكو وانقرة انّ الاتصالات التي تُجريانها مع وفود من حماس قد فتحت باب المناقشات من اجل القيام بالخطوة الاولى على طريق المصالحة. وفي رأي الديبلوماسيين المنخرطين في العملية انّ ما نالته حماس من شرعية فلسطينية شعبية في قطاع الضفة في أعقاب ما ألحقته من هزيمة بإسرائيل لا يمكن تجييرها للارتقاء بهذه الشرعية من الساحة الفلسطينية الضيقة الى الساحة الدولية، وأنه لا بد لقادة حماس من التمَوضع تحت عباءة شرعية منظمة التحرير ونواتها فتح، توصّلاً الى هذه المصالحة الشاملة التي تعطي القيادة الفلسطينية الجديدة شرعية التفاوض مع المجتمع الدولي لإعادة إعمار غزة بعد القبول الدولي بحل الدولتين الذي ما زالت اسرائيل تعارضه، ولكن الى حين. فإن أصرّت الادارة الاميركية على مثل هذه الخطوة، فإنها سترى النور لأنها شكلت عنوانا اساسيا في حملة الرئيس بايدن الإنتخابية قبل دخوله البيت الأبيض في 20 كانون الثاني 2021.
وعليه، تنتظر المصادر الديبلوماسية العليمة نتيجة المساعي الاميركية وحليفاتها ولا سيما منها السعودية التي رَهنت اي محاولة لإحياء برنامج التطبيع مع اسرائيل بتحقيق «حل الدولتين»، ذلك أنها في أساسها «فكرة سعودية» أطلقها الملك عبد الله في قمة بيروت عام 2002 وان بقيت اسرائيل وايران في موقع الرافض لها، فإنّ الرهان على موقف اميركي صلب يُسانده موقف سعودي مماثل وموافقة دولية ترعى المصالحة الفلسطينية – الفلسطينية تحت سقف هذه الخطوة الكبيرة يشكّل عنواناً للحل الدائم والعادل والشامل ان تم التوصل إليه.