Site icon IMLebanon

المصالحة الفلسطينية وتحدّي فوضى السلاح

ليس إحياء ذكرى رحيل ياسر عرفات في قطاع غزّة، للمرّة الاولى منذ عشر سنوات، سوى دليل على أنّ خطوة إلى الأمام تحقّقت على صعيد المصالحة الفلسطينية. أظهرت «حماس» جدّيتها في السير في المصالحة التي فرضتها ظروف موضوعية لم تكن متوافرة في الماضي وذلك منذ منتصف 2007. وقتذاك، قررت «حماس» الانتهاء من وجود السلطة الوطنية و«فتح» في غزّة. نجحت في ذلك بعد سيطرتها بالحديد والنار على القطاع. اقامت «حماس» ما يمكن تسميته بـ«إمارة إسلامية» في غزّة. أثرت هذه «الإمارة» في الداخل المصري في وقت كان نظام حسني مبارك دخل فصل الخريف في ظلّ تجاذبات بينه وبين القوات المسلّحة بسبب التوريث.

لا شكّ أن «حماس» ذهبت بعيداً في تنفيذ مشروعها، القائم على نشر فوضى السلاح اوّلاً، إلى أن اكتشفت أن لا أفق سياسياً أو عسكرياً أو اقتصادياً له. ما الذي ستفعله الحركة في حال استمرّت في حكم القطاع في ظلّ حصار من كلّ الجهات؟ الاهمّ من ذلك أن الحركة اكتشفت أخيراً أن ليس في استطاعتها دفع رواتب الموظفين في غزّة كما أنّ كل ما طرحته منذ تأسست كان شعارات لا طائل منها في ظل موازين القوى القائمة إقليمياً ودولياً.

أقدمت «حماس» على مبادرة مهمّة في الشتاء الماضي عندما عدّلت ميثاقها الذي صار بشبه إلى حدّ ما البرنامج السياسي لمنظمة التحرير الفلسطينية. فوق ذلك، أعلنت «حماس» انّها لا تنتمي إلى التنظيم الدولي لـ«الأخوان المسلمين» وذلك في لفتة واضحة تستهدف طمأنة مصر التي تتحكّم بمعبر رفح.

ليس معروفا بعد كيف كان لـ«حماس» أن تحلم بأن في استطاعتها تحرير فلسطين انطلاقاً من غزّة. خاضت منذ العام 2007 حروباً عدّة مع إسرائيل. كانت النتيجة

حصاراً لا يزال مستمرّاً إلى اليوم وأحياء لا تزال مدمّرة منذ العام 2008.

بعد توقيع اتفاق أوسلو في أيلول (سبتمبر) اختار ياسر عرفات العودة إلى أرض فلسطين عن طريق غزّة. نجح في أن يصبح للقطاع مطار صار الفلسطينيون يسافرون منه. إضافة إلى ذلك، اكتشفت شركة بريطانية بمشاركة شركة مقاولات عربية حقول غاز في البحر قبالة غزّة.

على الرغم من فقر القطاع ومساحته الضيّقة واكتظاظه بالسكان، كان المستقبل واعداً بالنسبة إلى غزّة التي كانت إسرائيل تحلم بيوم ينشق فيه البحر ويبتلعها مع سكانها. لم تلبث إسرائيل في صيف العام 2005 أن انسحبت كلّياً من غزّة، بما في ذلك من المستوطنات التي اقامتها في القطاع. لم تحسن «حماس» التصرّف في أي وقت، خصوصاً بعد الانسحاب الاسرائيلي. كان يمكن لهذا الانسحاب أن يعطي دليلاً على أن الفلسطينيين يستحقون بالفعل دولة مستقلة تعيش بسلام مع جيرانها. لكنّ شيئا من ذلك لم يحدث. استغلت «حماس» غياب ياسر عرفات الذي توفّى في مثل هذه الايّام من العام 2004، كي تباشر حملة تستهدف الاستحواذ على السلطة وحصرها بها. ركّزت بدعم إيراني واضح على فوضى السلاح المنتشر في كلّ زاوية من زوايا غزّة الذي جعل السلطة الوطنية ومعها «فتح» تبدوان اقرب الى شاهدي زور على ما يجري في القطاع. قبل ذلك، في تسعينات القرن الماضي، عملت «حماس» بدعم إيراني أيضاً على تنفيذ عمليات انتحارية. ادّت هذه العمليات التي التقت مع توجه اليمين إلى تغيير داخل المجتمع الإسرائيلي جعله يصل إلى مرحلة بات فيها بنيامين نتنياهو في السلطة على رأس اكثر الحكومات تطرفاً في تاريخ إسرائيل.

حسنا، حصلت المصالحة الفلسطينية في ذكرى مرور عشر سنوات وبضعة اشهر على إقامة «حماس» إمارتها في القطاع. أقدمت الحركة على خطوة في غاية الاهمّية بسماحها باحياء ذكرى وفاة «أبو عمّار» الذي تبيّن انّه لا يزال الزعيم – الرمز للشعب الفلسطيني.

عاجلاً أم آجلاً سيأتي موعد الامتحان الكبير لـ«حماس». هل في استطاعتها أن تكون بالفعل جزءاً من المشروع الوطني الفلسطيني الذي يمكن أن يؤدي في يوم من الأيّام إلى قيام دولة مستقلة أو كيان فلسطيني ما؟ سيعتمد الكثير على ما إذا كانت «حماس» ستسلم سلاحها وتقتنع بأن الادارة الفلسطينية إدارة مهلهلة وأن لا مفرّ من إصلاحات جذرية على الصعيد الاقتصادي تشمل صرف موظفين، أي ترشيق الإدارات العامة بدل حشوها بأشخاص لا فائدة مهم.

صحيح أن حلم الدولة الفلسطينية لا يزال بعيداً، لكن الصحيح أيضاً أن على الفلسطينيين الاقتناع بأن عليهم إنشاء مؤسسات لدولة حديثة قابلة للحياة قد ترى النور يوماً. سيكون الامتحان الكبير، الانتهاء من فوضى السلاح وترشيق الإدارة بعيداً عن الاقتصاد الريعي الذي يعتمد على استمرار تدفق المساعدات الخارجية. هذان شرطان مطلوبان كي لا تكون المصالحة حبراً على ورق ومجرد تبويس لحى. هذا الشرطان، وهما في الواقع تحدّيان، سيكشفان هل «حماس» جدّية في المصالحة أم لا؟

سيكشف هذان الشرطان أن «حماس» تغيّرت فعلاً وأنها باتت مقتنعة بأنّ لا مستقبل لايّ مجتمع، أو بلد أو مشروع بلد، فيه سلطة موازية تعتمد على السلاح غير الشرعي وفوضاه… كما حال لبنان على سبيل المثال وليس الحصر.