Site icon IMLebanon

غزة بعد 7 تشرين.. بوادر اعتراف أوروبي بفلسطين؟

 

مع بدء سريان الهدنة المؤقتة في غزة وانطلاق المرحلة الأولى من عمليات إدخال المساعدات الإنسانية وتبادل الأسرى بين حركة حماس وكيان العدو الإسرائيلي الغاصب والإرهابي في يوم الجمعة ٢٤ تشرين الثاني ٢٠٢٣، برزت مواقف أوروبية هامة تصدّرتها إسبانيا عبر رئيس وزرائها «بيدرو سانشيز» الذي دعا في المؤتمر الصحفي الذي عقده مع نظيره البلجيكي «ألكسندر دي كرو» عند معبر رفح بين قطاع غزة ومصر إلى وقف دائم لإطلاق النار، وإلى وجوب احترام إسرائيل للقانون الدولي وعدم القبول بالقتل الذي يطال المدنيين وصغار السن دون تمييز في غزة، معلناً أنه قد حان الوقت لكي يعترف المجتمع الدولي والاتحاد الأوروبي بالدولة الفلسطينية، ومتحدثاً عن إمكانية اتخاذ بلاده في وقت قريب لقرار فردي خاص بالاعتراف بفلسطين دولة مستقلة في حال امتناع الاتحاد الأوروبي عن القيام بهذه الخطوة. وبدوره حدّد رئيس الوزراء البلجيكي الأولوية لإطلاق سراح جميع المحتجزين ووقف إطلاق النار، والعمل على إنهاء المعاناة الإنسانية في غزة.

وقابلت إسرائيل تصريحات سانشيز ودي كرو باستدعاء وزارة خارجيتها لسفيري إسبانيا وبلجيكا لأجل «محادثة توبيخ حادّة»، وذلك بعد إدانة وزير الخارجية الإسرائيلي «إيلي كوهين» لما وصفه بالمزاعم الكاذبة لرئيسي الوزراء الإسباني والبلجيكي، والتي تدعم الإرهاب في إشارته إلى حركة حماس. وكذلك أدان رئيس وزراء إسرائيل «بنيامين نتنياهو» نظيريه الأوروبيين لعدم تحميلهما المسؤولية الكاملة لحماس عن الجرائم ضد الإنسانية التي اتهمها بها، وعن اتخاذها للفلسطينيين دروعاً بشرية. وقد ردّ وزير خارجية إسبانيا «خوسيه مانويل ألباريس» سريعاً باستدعاء سفيرة إسرائيل في مدريد لتقديم توضيحات لاتهامات الحكومة الإسرائيلية التي اعتبرها باطلة وغير مقبولة.

 

وما يمكن استنتاجه من مواقف إسرائيل وخطابها الحاد والهجومي الذي تضمن إهانات بحق رئيسي وزراء إسبانيا وبلجيكا، هو درجة التخبّط والمنازعة قبل السقوط الحتمي في المحاسبة عن أخطائها التي تسببت بكارثة وتهديد وجودي لإسرائيل من خلال معركة طوفان الأقصى التي نفذتها حماس والمقاومة الفلسطينية في ٧ تشرين الأول ٢٠٢٣، وحالة الجنون التي تضرب حكومة العدو الإسرائيلي  مع إدراكها لحجم الإنقلاب الحاصل في الرأي العام الدولي والعالمي بسبب الجرائم والفظائع والإبادة الجماعية التي تمارسها بحق الشعب الفلسطيني، وتدمير قطاع غزة وبناه التحتية ومرافقه الحيوية، والقضاء على أمنه الغذائي وتعريض الفلسطينيين وأطفالهم للمجاعة، وهدم مستشفياته ومراكزه الصحية، ومدارسه ومراكز الأونروا فيه، ومساجده وكنائسه والأبنية المهدمة فوق ساكنيها بشكل شبه كامل، واستهداف الإعلاميين، وتهجير ما يفوق المليون وسبعمائة ألف فلسطيني بين شمال القطاع وجنوبه، وتهديدهم بالتهجير القسري إلى صحراء سيناء في مصر. وقد وقع الجانب المصري في أزمة حقيقية ومعضلة في كيفية التعامل مع خطر تهجير الفلسطينيين إلى الأراضي المصرية، واضطر الرئيس المصري «عبد الفتاح السيسي» لتقديم مبررات لرفض هذا التهجير باتجاه مصر على قاعدة الحرص على عدم تصفية القضية الفلسطينية، ودون أن يكون هناك موقف صلب وحقيقي وفاعل سواء من مصر أو من باقي الدول العربية والإسلامية وفي العالم يمنع إسرائيل من مواصلة عدوانها الوحشي والهمجي بغرض تصفية الشعب الفلسطيني وقضيته التاريخية بدعم رئيسي من الولايات المتحدة الأميركية، ولو ادّعت الأخيرة دوماً بأنها مع إحلال السلام وحل الدولتين، كونها لم تقم لغاية هذه اللحظة بالدفع الحقيقي واللازم لدفع الكيان الصهيوني إلى القبول بالتسوية والسلام العادل والشامل في المنطقة.

 

التحول في المواقف الدولية سيكون مؤثراً بشكل أكبر على المدى الطويل، ولا سيما مواقف بعض الدول الأوروبية الكبيرة والفاعلة، كالموقف الفرنسي الذي عاد خطوةً إلى الخلف نحو حراك دبلوماسي أكثر إنسانية وأكثر توازناً بما يتعلق بحقوق الشعب الفلسطيني في أرضه وفي تقرير مصيره، ونحو الدعوة والعمل على استصدار قرارات أمميّة لوقف إطلاق النار، ولهدن إنسانية في قطاع غزة، بالإضافة إلى إصدار وزارة الخارجية الفرنسية لبيانات إدانة لتصرفات إسرائيل العدوانية والمخالفة للقانون الدولي الإنساني ولا سيما تدميرها للمستشفيات وعدوانها على الأطباء والممرضين والمسعفين والعاملين فيها. وكذلك الموقفين الإسباني والبلجيكي الذين يؤسسان لحقبة جديدة في التعامل الأوروبي مع القضية الفلسطينية من منطلقات فردية للدول أو من منطلق جماعي للاتحاد الأوروبي، وذلك في مؤشر على عدم اقتصار الاعتراف بالدولة الفلسطينية مستقبلاً على الدول الأقل تأثيراً في الاتحاد الأوروبي مثل: بلغاريا، وقبرص، وجمهورية التشيك، والمجر، وبولندا، ورومانيا، وسلوفاكيا.

الحل المنشود في إقامة الدولة الفلسطينية والاعتراف بها كضمانة للسلام تحدث عنه الرئيس السيسي في المؤتمر الصحافي المشترك في القاهرة مع سانشيز ودي كرو. وعن هذا الحل قال الرئيس المصري: «الحل السياسي الذي يقضي بإقامة دولة فلسطينية على حدود الرابع من حزيران ١٩٦٧ وعاصمتها القدس الشرقية ما زال بعيد المنال». وقد دعا الرئيس السيسي إلى الإعتراف بالدولة الفلسطينية ومنحها العضوية في الأمم المتحدة. واللافت في حديث «السيسي» كان قوله أن الدولة الفلسطينية المستقبلية يمكن أن تكون منزوعة السلاح مع وجود قوات أمن دولية مؤقتة من الناتو أو الأمم المتحدة أو قوات عربية أو أميركية لتحقيق الأمن لها ولدولة إسرائيل!

وفي نفس هذا الإطار الذي تحدث فيه الرئيس المصري، كان الرئيس التركي «رجب طيب أردوغان» قد سبقه قبل يومين بالإعلان في القمة الإفتراضية لمجموعة العشرين عن استعداد تركيا للمشاركة في تولّي المسؤولية في الهيكل الأمني الجديد الذي سيتم إنشاؤه بعد انتهاء الحرب في غزة، وفي آلية الضامنين، معتبراً أن الهدنة الإنسانية والاتفاق على تبادل الرهائن والمعتقلين يشكّلان تطوراً إيجابياً على طريق وقف إطلاق النار وتحقيق السلام. ويبدو من كلام الرئيس أردوغان كما لو أنه واثق فعلاً من إنشاء هيكل أمني جديد في قطاع غزة، وما يستتبعه ذلك من التسليم بفقدان حماس لقدرتها على مواصلة حكمها لقطاع غزة كما كان عليه الوضع قبل السابع من تشرين الأول. وفي رؤيته للحل أكّد الرئيس التركي على ضرورة إنشاء دولة فلسطينية مستقلة على حدود العام ١٩٦٧ وعاصمتها القدس الشرقية، وعلى المبادرة إلى حل الدولتين، والعيش بوئام مع إسرائيل! ويبقى هذا الكلام عن الحل والوئام خصوصاً سابقاً لأوانه، بل ومرفوضاً شعبياً بالطبيعة بعد وصول عدد الشهداء لحوالي خمسة عشرة ألف فلسطيني، وتخطّي عدد الجرحى لستة وثلاثين ألفاً، والمفقودين لسبعة آلاف. وإذا كانت حماس بعد كل هذا الطوفان وهذه الحرب الوحشية ستميل إلى خطاب أكثر عقلانية وقريب من حل الدولتين كما هو مطروح في مقررات القمة العربية الإسلامية المشتركة في الرياض، فإنها مطالبة بتعزيز عملها ضمن هذه الجهود العربية والإسلامية المشتركة في سبيل تحقيق مصلحة الشعب الفلسطيني. وإن البحث الحالي يكون في ضرورة الوقف الفوري والدائم لحرب الإبادة والتطهير العرقي وكافة جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية التي ترتكبها إسرائيل، وهو عهدها وعقلها الإجرامي وتاريخها الدموي منذ نشأتها عاراً على جبين الإنسانية والأمم. ثم بعد ذلك حديث آخر.