Site icon IMLebanon

كي لا تبقى الدولة الفلسطينيّة كلاما جميلا…  

 

 

يحتاج الكلام عن قيام دولة فلسطينيّة مستقلّة «قابلة للحياة» تعيش بجانب إسرائيل إلى تغيير جذري في الخريطة السياسيّة للمنطقة كلّها. هل من يستطيع تغيير خريطة الشرق الأوسط كي يكون هناك مكان لدولة فلسطينية ذات حدود واضحة؟ مثل هذا المكان ليس سوى ترجمة للوجود السياسي الحقيقي والطبيعي للشعب الفلسطيني على أرض فلسطين. لا يمكن إلغاء هذا الوجود بأي شكل مهما فعلت إسرائيل التي راهنت طويلا على «حماس» والقوى الداعمة لها من أجل ضرب المشروع الوطني الفلسطيني من داخل. يظلّ السؤال في نهاية المطاف هل الشعب الفلسطيني قابل للتذويب؟

 

يحتاج قيام دولة فلسطينيّة أوّلا، بل عودة الكلام عنها كخيار سياسي، إلى تغيير فعلي في الداخل الإسرائيلي يترافق مع تفكيك للمستوطنات القائمة في الضفّة الغربية المحتلة منذ العام 1967. يصل عدد المستوطنين في الضفّة إلى نحو 650 القا. هؤلاء يحكمون إسرائيل ويتحكمون بكلّ انتخابات تجري فيها وبوضع قائم منذ سنوات طويلة، خصوصا منذ عودة اليمين المتطرف إلى السلطة.

 

تكرست هذه العودة مع تولي ارييل شارون موقع رئيس الوزراء إثر انتخابات  شباط – فبراير 2001. يبدو مطلوبا أكثر من أي وقت عودة إسرائيل عن سياسة تستهدف فرض أمر واقع في الضفّة الغربية والقدس الشرقيّة. هذا الأمر الواقع إسمه الاحتلال ولا شيء آخر غير الاحتلال. هل يمكن لإسرائيل التخلي عن الاحتلال الذي تعتبره حقا مشروعا لها في ضوء إعتقادها أن الضفة الغربيّة أرض «متنازع عليها»؟

 

لم يعد سرّا أن المنافسة في إسرائيل باتت قائمة بين اليمين واليمين ومن يزايد أكثر على الآخر في مجال تجاهل حقوق الشعب الفلسطيني وتكريس الإحتلال. ليس بنيامين نتانياهو، بحكومته الحالية، التي تضم بين ما تضمّ من أمثال ايتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش، سوى تعبير عن غياب كامل لأيّ سياسة تستهدف التوصل إلى أي تسوية من أي نوع. لم يكن انسحاب إسرائيل في أيّام حكومة ارييل شارون في آب – أغسطس من العام 2005  سوى في سياق رهان إسرائيلي على أنّ الفلسطينيين سيفشلون في إقامة نموذج لدولة فلسطينية مسالمة مزدهرة إقتصاديا تعيش في ظلّ القانون بدل العيش في ظلّ فوضى السلاح. كان الرهان الإسرائيلي على فوضى السلاح في مكانه. لم تخيّب «حماس» حكومة شارون ثم حكومات إيهود أولمرت وبنيامين نتانياهو. رفعت شعار «تحرير فلسطين من البحر إلى النهر» و «فلسطين وقف إسلامي». قطعت إسرائيل، بالإتكال على «حماس»، الطريق على أي تسوية يمكن أن تفضي إلى مخرج للجميع. أصرّت على ولوج المأزق الحالي الذي هو مأزق للجميع. بكلام أوضح، لا مفرّ من حدوث إنقلاب حقيقي في إسرائيل. هل مثل هذا الإنقلاب ممكن؟ هل ولّد الهجوم الذي شنته «حماس» في السابع من تشرين الأوّل – أكتوبر الماضي ديناميكيّة يمكن تتوّج بإنقلاب جذري في المفاهيم السائدة في الدولة العبريّة بعيدا عن فكرة الاحتلال؟

 

تحتاج المنطقة إلى كسر الحلقة المغلقة التي تدور فيها. الأكيد أن «حماس» ليست حلا ولا تستطيع أن تكون حلّا. لا يمكن لـ»حماس» أن تكون واجهة للشعب الفلسطيني ولا مستقبله. ما القيم الاجتماعية التي حاولت «حماس» فرضها في غزّة؟ ما نوع التعليم الذي سعت إلى فرضه على الغزّاويين؟

 

يعود عجز «حماس» عن أن تكون حلّا إلى سببين على الأقلّ. أولهما إرتباطها العضوي بالمشروع التوسعي الإيراني والآخر التهديد الذي تمثله لكلّ دولة من دول المنطقة. ليست «حماس» سوى جزء لا يتجزّأ من تنظيم الإخوان المسلمين في الإقليم. يمّيزها عن غيرها إرتباطها بـ»الجمهوريّة الإسلاميّة» في إيران في الوقت ذاته. تبقى «حماس» التي لعبت دورها في دفع المجتمع الإسرائيلي نحو اليمين ومزيد من التطرّف، منذ عملياتها الإنتحارية في تسعينات القرن الماضي، إستثمارا إيرانيا ناجحا في المنطقة.

 

يستحيل أن أن يكون استمرار الاحتلال الإسرائيلي للضفّة الغربيّة حلّا مثلما يستحيل أن تكون «حماس» واجهة الشعب الفلسطيني ووجهه خلافا لما بدأ يعتقده كثيرون من العرب والفلسطينيين يصرون على تجاهل تاريخ الحركة الإسلاميّة ومعاداتها للمشروع الوطني الفلسطيني.

 

على الرغم من كل ما ترتكبه إسرائيل من أعمال وحشية في غزّة وفي الضفّة الغربية لن يكون مسموحا لبنيامين نتانياهو بتحقيق إنتصار والبقاء في السلطة إلى ما لانهاية تفاديا للذهاب إلى السجن بعد مواجهة تهم بالفساد الموجهة له أمام القضاء. سيرحل «بيبي» وسيرحل معه وزراء من طينة بن غفير وسموتريتش. لكنّ الكلام عن خيار الدولة الفلسطينية سيظلّ كلاما من دون توفر ظروف مختلفة على الصعيد الإقليمي، بما في ذلك قيام سلطة وطنيّة جديدة من نوع مختلف عن تلك القائمة حاليا.

 

بعد حرب غزّة، صارت إسرائيل – الاحتلال جزءا من الماضي، كذلك «حماس». ثمّة فرصة أمام العرب للتفكير، من بوابة إعادة إعمار غزّة، في بلورة مشروع سياسي في أساسه الدولة الفلسطينيّة المستقلة. يبدأ ذلك بانتخابات فلسطينية تنتج قيادة جديدة على علاقة بما يدور في العالم. لا يمكن تجاهل أنّ الشعب الفلسطيني يمتلك قيادات متميّزة في كلّ المجالات، قيادات لا علاقة لها من قريب أو بعيد بالفكر الإخونجي الذي تروّج له «حماس» ولا بالمجتمع المتخلف الذي تسعى إلى قيامه.

 

غيّرت حرب غزّة إسرائيل. ستغيّرها أكثر في المستقبل القريب. عاجلا أم آجلا ستمرّ موجة الإعجاب بـ»حماس» وما تمثله. سيعود الكلام أكثر فأكثر عن الدولة الفلسطينية أميركيا وأوروبيا وصينيا. يبقى امر واحد لا يمكم تجاهله وسط كلّ هذه التطورات. يتعلق الأمر بالمشروع التوسّعي الإيراني في المنطقة الذي اخضع دولة أساسية مثل العراق وبات يسيطر سيطرة كاملة على سوريا ولبنان، كما استطاع تحويل «حماس» إلى إحدى ادواته في المنطقة…

 

يبقى الكلام عن الدولة الفلسطينية كلاما جميلا في انتظار ما ستؤول إليه حرب غزّة وولادة مشروع سياسي جدّي تدعمه اميركا وأوروبا والصين في مرحلة معيّنة!