Site icon IMLebanon

المقارنة بين إيران وعبد الناصر ظالمة

 

 

لا يقارن الخطر المحدق بلبنان، بعد عملية غلاف غزة، بحرب العام 2006، ولا يمكن مقارنته أيضاً بحربيْ 1967 و1973، حين كانت الدولة ما زالت قائمة، وكان أيضاً تفاهم ولو على مضض، بأن يكون لبنان دولة مساندة، لا دولة مواجهة، وقد احترم الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر هذه المعادلة، لا سيّما وأنّه كان قد ارتبط بعلاقة متينة مع العهد الشهابي، ولا يمكن بالتالي أن يتم نسيان ما أوصى به عبدالناصر بعد النكسة، بتجنيب لبنان أي تداعيات قد تؤدي إلى أن يتلقى ضربة اسرائيلية لا يمكنه احتمالها.

 

ذهب عبد الناصر أبعد من ذلك في مرحلة التحضير لمعركة استرداد سيناء، التي لم يمهله القدر، أن يقودها. لقد وقّع تفاهماً لوقف إطلاق النار في منطقة القناة، وتجاوب مع مبادرة روجرز، لكن الاستفاقة تجاوزت ذلك، إلى انتهاج استراتيجية واعية، لا مكان فيها للمزايدات والشعارات، فصمت أحمد سعيد، إلى الأبد.

 

في حرب يوم الغفران، تمّ تحييد لبنان أيضاً. خاضت مصر وسوريا حرباً مشتركة، وعبرت مصر قناة السويس، ودخل الجيش السوري إلى الجولان، وبغض النظر عن نتائج المعركة، فهي كانت المؤشر الأول إلى تحكيم لغة العقل، وإلى نفض حرب الشعارات من جذورها. كان عملاً مشتركاً، لم يشارك فيه لبنان والأردن، ولم تقدم فيه الفرصة لإسرائيل، كي تحتل أرضاً جديدة، وكي تلحق هزائم إضافية بالعرب.

 

في العصر الإيراني المفروض على لبنان وسوريا والعراق واليمن وجزء من فلسطين، انقلبت الصورة رأساً على عقب. ورثت إيران معادلة «فتح لاند» وطورتها، وخاضت حروباً بالوكالة مع اسرائيل، تحت شعار استرداد القدس، ودفع لبنان ثمناً باهظاً، قبل العام 2000، وبعده، وخصوصاً في العام 2006 .

 

كذلك دفعت فلسطين الثمن الأغلى. ففي وقت كانت الشرعية الفلسطينية تفاوض بصعوبة لإنشاء الدولة الفلسطينية، كانت حركة «حماس» وأخواتها، تنظّم أكبر عملية استهداف للمفاوضات، فبعد كل تقدّم للتسوية، كانت تنفّذ عملية انتحارية في القدس ومدن العام 1948، فتعود المفاوضات إلى نقطة الصفر، ويتهلل وجه اليمين الاسرائيلي، الذي كان ينتظر بدوره وأد التسوية، للسيطرة على الضفة الغربية، ومنع قيام الدولة الفلسطينية.

 

لاحقت إيران عملية التسوية إلى اللحد، وهي اليوم تلاحق مساعي التطبيع بنفس الإستراتيجية ونفس التكتيك، أمّا الأثمان الغالية، فلا بأس أن يدفعها الشعب الفلسطيني، طالما أنّ علم القضية سيبقى بيد الممانعة.

 

في المقارنة بين الناصرية والخامنئية، ظلم كبير. ففي العام 1967، دخلت مصر في حرب فعلية ودفعت أثماناً باهظة، وبعد الحرب صححت الناصرية، مسارها، وخففت من نزعة الشعبوية، علماً أنّها كانت الأصدق في الدفاع عن القضية الفلسطينية. أما ايران الثورة الإسلامية، فلم تطلق رصاصة واحدة على اسرائيل، وهي تستمر بمشاغلتها بحروب بالواسطة، من دون أن تدفع أي ثمن لهذه الحروب.

 

التاريخ الحديث للجمهورية الاسلامية، يعطي مؤشراً على وجود قرار دائم، بتجنّب المواجهة المباشرة، وبتكليف لبنان وغزة بالمهمة، إنّه التكليف الذي يفتقد إلى الشرعية، والذي يؤدي بالمكلفين في كل مواجهة، إلى أن يعودوا في اقتصادهم وأمنهم ومستقبلهم، سنوات وسنوات إلى الوراء.