فجأة ومن دون مقدمات تقدمت اخبار الشيخ احمد الاسير الاخبار، متخطية الوضع السياسي الذي لم يسجل تحركا أو تطورا،مع تحقيق المديرية العامة للامن العام إنجازا أمنيا كبيرا على قدر خطورة الموقوف، في اثبات جديد على فاعلية الاجهزة الامنية التي لم تتأثر بالتشويش السياسي الذي تعيشه البلاد، ولا بأجواء المزايدات ولا بتعطيل المؤسسات.
فبعد اكثر من سنتين على اختفائه، أخطأ الشيخ الاسير في حساباته مرة جديدة، وخانته نسخته المعدلة في أن يضيع الأنظار، فكان الانجاز،على الرغم من احتياطاته المشددة التي اتخذها وقع الشيخ الفار في قبضة الامن العام الذي كان يتتبع حركته منذ اكثر من اربعة اشهر، تمكن خلالها من الافلات مرتين بعد تغيير خطة هروبه في الدقيقة الاخيرة، خاصة مع سقوط حبة الشيخ حبلص ومقتل اوسامة منصور، وادراك المعنيين بشؤون الامن ان ساعة الشيخ الاسير اقتربت بعدما ضاق الخناق عليه، خصوصا مع توقيف مسؤول تفعيل الخلايا لديه لدى مخابرات الجيش اللبناني.
وفي تفاصيل العملية ان اخبارية وردت الى الامن العام، من جهة فلسطينية، منذ اربعة ايام، تفيد عن مغادرة الاسير مخيم عين الحلوة منذ خمسة عشر يوما، بعدما تمكن من الحصول على وثيقة سفر فلسطينية، باسم خالد الصيداني، زورها له في المخيم، الفلسطيني أبي يزيد المقدسي المنتمي لمجموعة بلال بدر الذي يتزعم بقايا تنظيم فتح الإسلام، تبين ان صاحبها تقدم بحسب الاصول الى السفارة النيجيرية، حيث حصل على سمة دخول شرعية. اخبارية تقاطعت مع اعتراض الاجهزة المعنية لمكالمة هاتفية أجراها احد الاشخاص بالمقدسي قبل ثلاثة اسابيع لطلب جواز سفر مزور، تلتها مكالمة أخرى مساء الجمعة تواصل خلالها الأسير والمقدسي بعبارات مشفّرة، أدت الى كشف المخطط بعد عملية تحليل المكالمة الهاتفية وتفكيكها.
وبناء على ذلك بدأت عملية مطاردة امتدت من طرابلس مرورا باقليم الخروب وصولا الى صيدا، انتهت الى تنفيذ شعبة المعلومات في المديرية العامة للامن العام عملية مداهمة لاحدى الشقق الواقعة عند مدخل عين الحلوة، صباح السبت ليتبين انها خالية، في نفس الوقت الذي ابلغ فيه احد المخبرين، ان الاسير شوهد في منطقة خان الافرنج في صيدا وهو يستقل سيارة اجرة من نوع مرسيدس بيضاء اللون، رقم لوحتها 254635/ط، تبين انها مملوكة من م.خ. من طرابلس، متجهة الى بيروت، فقامت المديرية بنشر عدد من الدوريات ونقاط المراقبة على طول الطريق من صيدا الى الجنوب، لتتمكن على اثر ذلك احدى النقاط من رصد السيارة في منطقة الناعمة.
وبحسب المعطيات فان الاسير الذي نجح في اخفاء هويته عبر تغيير شكله، (تبيّن أنه خضع لعمليات تجميل أُجريت له حديثاً، غير تلك التي خضع لها لدى فراره من عبرا متخفّياً. وهذا يؤكد حرصه الدائم على التواصل مع أنصاره في حديث مسجّل بصوته فقط من دون أن يُظهر وجهه وهو يخاطبهم)، من خلال حلق ذقنه، نفخ وجنتيه، وصبغ شعره وترميم انفه، على يد طبيب اجنبي قدم الى عين الحلوة لاجراء هذه التعديلات، ليصبح على الشكل الذي ظهر فيه في الصورة الموزعة له، خانته وثيقة السفر التي لم يتم تزويرها باتقان، اذ بعدما وصل مع رفيقه الى آخر مرحلة من تدقيق جوازات السفر اظهر جهاز التدقيق وجود خطأ ما في الجواز فاعيد التدقيق، ونتيجة المعطيات المتجمعة لدى الامن العام عن امكانية هروب الاسير بالاسم الذي انتحل شخصيته تاكد انه هو، فوجه بالامر الذي لم ينكره، لتتكشف باقي تفاصيل مع القبض على الرجل الثاني في التنظيم والذي كان دخل قبله ليؤمن له الطريق حاملا جواز سفر مزور يعود للفلسطيني رامي عبد الرحمن طالب واجتاز الامن العام وصعد الى طائرة الخطوط الجوية المصرية التي كان من المفترض ان تقلهما الى القاهرة، كراكبي ترانزيت، قبل ان ينتقلا منها الى نيجيريا للالتحاق ببوكو حرام.
بعد التوقيف لا أحداث أمنية وإجراءات للجيش في صيدا. وبعد التوقيف، كلام على إضافة الأسير في أسره إلى لائحة التفاوض في ملف الموقوفين في رومية والمخطوفين في جرود عرسال. اما في السياسة فان الرئيس الحريري اطلع من المشنوق وعباس على وقائع عملية التوقيف مثنيا على جهود الامن العام، وهيئة العلماء المسلمين حذرت من المس بالشيخ الاسير معيدة الى الضوء معزوفة الخطط الامنية التي تستهدف السنة وحدهم، فيما وقف في المقابل اهالي الشهداء العسكريين الذين سقطوا خلال مواجهات عبرا بنصف فرحة بانتظار اكتمال عقد التوقيفات والمحاكمات، بينما كانت «الاسيريات» يقطعن طريق صيدا، مستنجدات باهل السنة في صيدا وطرابلس، على وقع دوريات شعبة المعلومات في الامن العام التي قامت بعمليات دهم وتوقيف لاشخاص بناء على نتائج التحقيقات الاولية التي توالت منذ ظهر السبت.
تحقيقات تركزت منذ اللحظة الاولى على الجهة التي ساعدته في جمع اوراقه وتزويرها وتامين الملاذ الآمن له، توصلت الى تحديد هوية مجموعة من الاشخاص، قامت مجموعات من الامن العام بمداهمة اماكن وجودهم في صيدا واقليم الخروب، دون ان تعثر على الاسم الابرز بينهم وهو الفلسطيني عبد الرحمن الشامي، المشتبه الاول بمساعدته وايوائه، والذي توارى عن الانظار منذ لحظة شيوع خبر توقيف الاسير، كذلك اللبناني عبد.ش المتواري منذ الامس، والذي قامت القوة بمداهمة محله لاصلاح «الاشبمانات» في المدينة الصناعية في سينيق عند مدخل صيدا، كذلك تم اعتقال احد الاشخاص بالقرب من بيروت وبحوزته وثائق مهمة بعد اعتراف الاسير عليه.
من بين الأسرار الكثير من الاجابات عن أسئلة طالما راودت اللبنانيين: من خلق الحالة الأسيرية ورباها ونماها ورعى أنيابها لسنوات؟ بل من حمى الأسير وأعوانه بعد ان لطخت أيديهم بدماء عشرات العسكريين في عبرا، فعاش لسنتين ونيف على أرض يبحث عنه بشرها وحجرها قبل جيشها وكل قواها الامنية، من دون ان يكون لهم سبيل اليه؟ بل من سهل خطة الهروب من لبنان، وأمن جوازات مزورة بتأشيرات صحيحة نحو نيجيريا؟
ايا يكن الشيخ اصبح اسير القضبان اللبنانية، بانتظار المحاكمة، لكن القصة لم تنته بالتاكيد، ففي الجرود العرسالية اسرى لدى النصرة وداعش وخشية لدى اهاليهم من تاثير تطورات الساعات الاخيرة على هذا الملف، فيما تنتظر المحكمة مثول آخرين امامها ليس اقلهم شانا المطلوب فضل شاكر الذي تحدثت المعلومات عن تراجع صحته بعد اصابته بقصور كلوي وعجزه عن تامين العلاج من دواء وغسيل كلي داخل مخيم عين الحلوة.
انها سخرية القدر التي جعلت الاسير يتربع في بيئة شيعية في حارة صيدا، قبل ان يتعلم الفقه الاسلامي في جامعة بيروت الاسلامية، الامر الذي شرع له الابواب امام «الجهاد المستور» قبل ان يصبح رمزا من رموز «السنية الجهادية» على الساحة اللبنانية مع اندلاع الثورة السورية، وما رافق ظاهرته من ارتباطات مع دول خليجية واقليمية من تركيا الى قطر، جعلته يقع في قبضة الجهاز الذي طالما حسب على تلك الطائفة والفريق الذي طالما هاجمه متوعدا ومهددا.