فعل الإستعلاء مستمر، يرفده فعل الإستغباء. ويلحق بهما على ساحتنا المستباحة فعل الإستنساخ. هذا ما يؤشر إليه الإنفجار في مخيم البرج الشمالي.
صحيح أن المتفجرات لم تكن قارورة غاز هذه المرة. لكن لا تشكو من شيء إسطوانات الأوكسجين، لتدخل على الخط وتقطع الطريق على أي محاولة لتحقيق جدي وحقيقي بشأن هذا الانفجار الذي حصد ضحايا وقتلى، صنفوا شهداء مظلومين.. وختم الملف ببيان الأسطوانات، مع الإشارة إلى أن الخسائر محدودة.
هكذا، حتى في المعالجة الإعلامية الفورية تجلى فعل الإستنساخ، المرفق بالإستغباء والإستعلاء وتجاهل كل المعلومات الصادرة عن شهود عيان وعن عالمين بالشأن العسكري بشأن إنفجار مستودع للذخيرة والأسلحة تابع لحركة “حماس”.
وبالطبع، استنكرت الحركة “حملة التضليل الإعلامي، ونشر الأخبار الكاذبة التي رافقت الحدث”.
وكما هي العادة، منعت الأجهزة الأمنية والعسكرية والقضائية اللبنانية فتح الملف المختوم ووضع يدها على التحقيق لتبيان الأسباب التي كانت وراء حصوله. ولا لزوم للشعور بالإحراج حيال مسألة ” Déjà Vu”.
لا لزوم للبدع المثيرة، كالتكهنات حول البنية المسلحة لحركة “حماس” في لبنان، وإمكانية استعمال هذا السلاح في الداخل اللبناني أو على الحدود مع إسرائيل، ولا لزوم للتبجح بالحديث عن إنكشاف لإنتهاكات القرار 1701 المتواصلة مع أسلحة إيرانية في منطقة جنوب الليطاني.
السبب لا يتعلق بالفصائل الفلسطينية وأحوالها ولا بالمخيمات وأمنها ولا بالعلاقات اللبنانية الفلسطينية المرعية الإجراء.. ولكنه يتعلق، فقط، بواقع أن هذا السلاح موجود برعاية الحزب، أو بالعربي الفصيح، بإرادة المحور الإيراني القاضية بتحويل لبنان مستودعات واسعة للأسلحة والصواريخ البالستية.
ولا يهم كثيراً أو قليلاً تغيير الصورة النمطية لحركة “حماس”، التي حاولت المحافظة عليها منذ إنطلاقتها، وذلك بهدف التمايز عن منظمة التحرير الفلسطينية، غريمتها الأبدية، والإيحاء بأنها تقاوم فقط من داخل الأراضي الفلسطينية، ولا تسعى إلى المتاجرة بالقضية ولا مطامع لديها ولا علاقة لها بالداخل اللبناني.
لكن متطلبات المحور الإيراني كسرت هذه الصورة النمطية، فحركة “حماس” هي ذراع من أذرع جمهورية ولاية الفقيه، كذراع “حزب الله”، والحوثيين والحشد الشعبي و”فاطميين”..و..و..
والدليل الملحق بفعل الإستنساخ برز في تشييع “الشهداء المظلومين”، الذين يدحضون رواية “الخسائر المحدودة”، كما في الإشكالات “المحدودة” بدورها بين “حماس” ومحيطها الفلسطيني، والتي تشبه إشكالات إشتباكات خلدة وقرية شويا وغزوة عين الرمانة.
المشهد الشعبي الرافض ذاته يتكرر، ولكن بنسخة فلسطينية هذه المرة، والإتهامات تتكرر وفق الصيغة السلوكية لـ”حزب الله”، الذي يشيطن الفريق المناوئ لسياسة المحور الإيراني في أي مكان.. وإلا كيف نفهم الغزل الإيراني للإمارات مقابل التجييش الهستيري ضد السعودية والبحرين؟؟
من هنا، لا تدخل مستودعات أسلحة حركة “حماس” في خانة الوجود الفلسطيني المسلح وأمن المخيمات، على أهمية هذا الشأن.
ومن هنا، ربما يجب التفتيش عن صاحب المصلحة في التسليح وفي التفجير وفي الاشتباكات التي تلت التفجير.
تماماً كما كان يجب التفتيش عن تسليح جماعات متطرفة داخل المخيمات منذ فترة، تبين أنها تدار من حلفاء إيران المجندين على يد “حزب الله”، كما هي حال جمال سليمان من مخيم “المية ومية” المطلوب للقضاء اللبناني، والمقيم آمناً ومطمئناً في منطقة بقاعية محظورة على الجهات الأمنية اللبنانية، وطريقها إلى سوريا نظيفة من نقاط الأمن العام.
ولا عجب مع توفر هذه الطرق النظيفة أن تدخل “أسطوانات الأوكسجين” وغيرها إلى حيث تشاء، وتخزن في مستودعات الساحة المستباحة التي إسمها لبنان…
ويا سلام سلِّم على السيادة ومن لفّ لفّها..