مراكز عسكرية في مناطق مأهولة مثل الناعمة والدامور
في ظل الانقسامات السياسية العميقة التي تعصف بلبنان، تبرز قضية السلاح الفلسطيني خارج المخيمات كواحدة من أكثر الملفات حساسية وتعقيداً. هذا الملف، الذي تتداخل فيه الأبعاد الأمنية والسياسية والاقتصادية، ظل لعقود عصياً على الحل، ما يُبقي السيادة اللبنانية عرضة للتحديات ويثير مخاوف المجتمع الدولي.
ومع الاتفاق الأخير لوقف إطلاق النار، عاد الجدل حول تنظيم السلاح الفلسطيني إلى الواجهة، وسط دعوات متجددة لضبط هذا الملف الشائك. ويعكس الربط بين القضيتين طموحاً لتحقيق استقرار داخلي، خصوصاً في ظل الضغوط الدولية لتطبيق القرارات الأممية التي تنص على حصر السلاح بيد الدولة اللبنانية .
مواقع عسكرية خارج السيطرة
بحسب مصادر فلسطينية مستقلة، تتركز المراكز العسكرية لبعض الفصائل الفلسطينية خارج المخيمات في مناطق حساسة مثل الناعمة، الدامور، وأجزاء من البقاع. وتشمل هذه المواقع أنفاقاً محصنة ومخازن أسلحة ثقيلة، وتخضع لسيطرة “الجبهة الشعبية – القيادة العامة” المدعومة من النظام السوري وإيران. وتشير هذه المصادر إلى أن وجود هذه المواقع يعد مصدراً للقلق الأمني الكبير، وتمثل جيوباً مسلحة خارج نطاق الدولة اللبنانية. وعلى الرغم من المحاولات العديدة لتفكيك هذه المراكز، ومنها الحوار الوطني عام 2006 لتنظيم السلاح الفلسطيني، لم تُنفذ القرارات. وتُبرر “القيادة العامة” استمرار وجود هذه المراكز بحجة “الدفاع عن فلسطين”، بالرغم من بُعدها عن أية مواقع إسرائيلية .
تأثيرات أمنية واجتماعية خطيرة
توضح المحامية ريتا بولس، عضو المكتب السياسي في حزب “الكتائب” والمقيمة في الرميلة – ساحل الشوف، أن وجود المراكز العسكرية في مناطق مأهولة بالسكان مثل الناعمة والدامور يشكل خطراً كبيراً على حياة الأهالي. وتشير إلى أن هذه المراكز غالباً ما تُقام على أراضٍ تعود ملكيتها للسكان المحليين أو على المشاعات العامة، ما يؤدي إلى حرمان الأهالي من استغلال أراضيهم، خصوصاً في الزراعة، ويزيد من معاناتهم الاقتصادية المتفاقمة.
تضيف بولس أن التصعيد الأخير بين “حزب الله” والقوات الإسرائيلية أثار قلقاً كبيراً، بين العائلات المقيمة في الناعمة والدامور. وتخشى هذه العائلات من أن تصبح المراكز العسكرية الفلسطينية الموجودة في المنطقة هدفاً لضربات عسكرية، ما يفاقم التوتر الأمني ويؤدي إلى خلق حالة من الخوف وعدم الاستقرار بين السكان. وتؤكد بولس ضرورة إيجاد حلول سريعة لضمان سلامة الأهالي وحمايتهم من أي تداعيات أمنية محتملة.
مصالح معقدة وأبعاد استراتيجية
يرى مراقبون أن استمرار هذه المراكز المسلحة يُشكل جزءاً من استراتيجية إقليمية تدعمها إيران وسوريا، حيث تُستخدم هذه المواقع العسكرية خارج المخيمات الفلسطينية كنقاط اتصال لوجستية بين إيران وسوريا عبر لبنان. وهذا ما يجعل لبنان ساحة صراع دائم بين القوى الإقليمية الكبرى، ويضعف أي جهود لبنانية لنزع السلاح غير الشرعي، وفرض سيادة الدولة اللبنانية.
كما تُعد هذه المراكز، وفق الخبراء، مناطق نفوذ “للقيادة العامة” التي تستغل غياب القرار السياسي اللبناني الموحد للتوسع والسيطرة. وبالتالي، تصبح هذه المواقع العسكرية جزءاً من معادلة نفوذ معقدة، تقف خلفها قوى إقليمية ذات مصالح تتناقض مع استقرار لبنان وقراره السيادي .
واعتبر المراقبون تنظيم السلاح الفلسطيني في لبنان تحدياً يعكس تعقيدات السياسة المحلية والإقليمية، و يتطلب إرادة سياسية قوية، ودعماً دولياً، وخطة متكاملة تعيد للدولة اللبنانية هيبتها ما يحقق الاستقرار الداخلي ويضمن فرض سيادة الدولة الكاملة. لذلك، سيظل لبنان عالقاً بين مطرقة الانقسامات السياسية الداخلية وسندان المصالح الإقليمية. وستبقى السيادة اللبنانية رهينة عوامل معقدة ومتداخلة، ما يجعل مسألة نزع السلاح الفلسطيني وحصره بيد الدولة مهمة شاقة ومليئة بالتحديات .