Site icon IMLebanon

الشعنينة… فرحة سرقها كورونا و«الخائنون»!

 

«دَعُوا الأَوْلاَدَ يَأْتُونَ إِلَيَّ وَلاَ تَمْنَعُوهُمْ، لأَنَّ لِمِثْلِ هؤُلاَءِ مَلَكُوتَ اللهِ».. عندما ردد السيد المسيح هذه الآية كان يعلم انّ احتضان الأطفال ليس لطلب كرامة ومجد لنفسه، إنما يطلب نفساً تلتصق بالرب وطريق الحب للجميع. يحتضن «أحد الشعانين» كل معالم الطفولة الجميلة التي احتضنها السيد المسيح، وهو اليوم الذي نحتفل فيه مع الطفل حاملاً غصن الزيتون بفرح الولادة الجديدة التي ستأتي بعد القيامة. وفي لبنان يشق الأطفال آلامهم على طريق معمدة بشوك الفقر وجلجلة الجوع واكليل المرض العابر للحدود.

غصّتان تحرماننا من العيد هذا العام، الأولى سببتها جائحة كورونا وما خلفته من تباعد بين الناس، في حين لا يزال التلقيح في مستوياته الدنيا مقابل ارتفاع عدد الإصابات والوفيات، فيما الغصّة الثانية إقتصادية، حوّلت مصاريف العيد من الملابس والأحذية والشموع المزينة الى كماليات، تخلّى عنها كثير من العائلات.

 

المشهد السوداويّ تعكسه «رنا» التي لم يبق لديها سوى صور عائلتها وهي مجتمعة في عيد «الشعانين»، حين كانت تحمل غصن الزيتون والثياب الجديدة والشمعة المزيّنة متوجهة مع أهلها الى الكنيسة للمشاركة في التطواف، تلك العادة الأحبّ الى قلوب الأهل والأطفال معاً.

 

رنا اليوم، تفتقد تلك العادة، وتأسف لعدم قدرتها على عكس تجربتها ونقلها الى أطفالها، فهم كما العام الفائت، سيمضون العيد بين جدران أربعة، تقيّداً بتعاميم الكنيسة التي إن فتحت أبوابها بقدرتها الإستيعابية الدنيا، الا أنها تبقى محصورة بالرعايا الكبار ومنع حضور الصغار، وذلك تماشياً مع التدابير التي تفرضها جائحة كورونا، وتفادياً لتكرار ما حصل في عيدي الميلاد ورأس السنة.

 

أمّا سهام، وهي أمّ لثلاثة أولاد، فتؤكّد أنّ «الوضع الإقتصادي المترديّ والغلاء الفاحش الناتج من ارتفاع سعر صرف الدولار في السوق السوداء، لم يساعدها، كما الكثير من الأهالي، على التسوّق للعيد جرياً على العادة، فالشمعة المزيّنة يتراوح سعرها في حدّها الأدنى بين الـ70 والـ 150 ألف ليرة هذه السنة. أمّا الملابس فأدنى سعر لها في حدود الـ 500 ألف ليرة». وعن الأحذية تقول سهام: «حدّث ولا حرج»، أضف الى كلّ ذلك «هذه الأمور أصبحت بالنسبة الينا من الكماليات، كوننا بالكاد نتمكّن من شراء الأساسيات». وتضيف: «حتى حلويات العيد ستغيب هذاه السنة عن مائدتنا».

 

الكنيسة التي تستشعر الخطر الوجودي على رعاياها تذهب عميقاً في موقفها لأسباب عدة يلخّصها راعي أبرشية بعلبك ـ دير الأحمر المطران حنا رحمة لـ»الجمهورية»، اذ يعتبر أنّ «العيد يحلّ هذه السنة فيما المواطن موجوع ومتألّم على وطن مجهول المصير»، لافتاً الى «أن الخوف الذي يعيشه اللبناني تخطّى كورونا، اذ بات الناس يدركون سبل التعامل مع هذه الجائحة من ارتداء للكمامة وغسل الأيدي والتعقيم، لكن القلق على المستقبل المجهول حرم المواطن القدرة على الشعور بالعيد وبفرحه».

 

الألم الذي يعصر حياة المواطن يشرح أبعاده المطران رحمة، فيؤكد أنّ «هذا الوجع حال أيضاً دون اهتمامهم بالتحضير للعيد جَرياً على العادة، فالأهالي لم يحضّروا أولادهم لاستقبال العيد بسعف الزيتون والشموع المزيّنة كما استقبل الناس يسوع يوم دخل الى مدينة أورشليم. الشعنينة، والتي تعني الكثير ليتورجيّاً، هي فرح المسيح بقيامة اليعازر ودخوله اورشليم.. الا أن هذا الفرح الذي كنّا نجسّده في عيد الشعنينة بلقاء العائلة وجمعتها، حيث تتوجّه العائلات الى الكنيسة مع أطفالها بشموعهم المزينة وثيابهم المزركشة وأغصان الزيتون فيلتقطون الصور في التطواف ويجتمعون على الموائد… كلّها تقاليد جميلة بتنا نفتقدها اليوم».

 

والى المسؤولين رسالة قاسية من المطران رحمة الذي وصفهم بـ«الخائنين» الذين «يرتكبون يومياً خيانة عظمى في حق بلدنا، فعشنا في مرحلة انتظار طويل، وواقع مرير، مضى العمر ونحن نحلم بغد أفضل، وما زلنا ننتظر من حكّامنا أن يؤمّنوا لأبناء وطننا مستقبلاً أفضل، لكن للأسف يبدو أنّ أطفالنا سيعيشون تجربتنا».

 

وانطلاقاً من الابعاد التي يختزنها عيد الشعنينة، ولأنّ العيد كما قال المسيح لتلاميذه: هو في العمق، وفي القلب والعقل «فَتَفْرَحُ قُلُوبُكُمْ، وَلاَ يَنْزِعُ أَحَدٌ فَرَحَكُمْ مِنْكُمْ»، يدعو المطران رحمة الرعايا الى الاحتفال بالشعنينة داخل منازلهم، وأن يمارسوا طقوسهم مع الأطفال فيأتون بأغصان الزيتون والصليب ويطوفون بها المنزل أو الشرفة أو الحديقة، فيبتكرون بأنفسهم فرحة العيد ويدخلون أطفالهم في أجوائه رغم كلّ الصعوبات التي نمرّ بها».