IMLebanon

تدمر.. وحلب

في الرواية الجديدة (أو المستعادة) عن عودة «داعش» إلى السيطرة على مدينة تدمر التاريخية، بُعدان. واحد واقعي، وثان ملتبس ولا يخرج عن الأداء الوظيفي الأبرز لهذا التنظيم، أي خدمة المحور الممانع حتى آخر أنفاسه!

البعد الواقعي يتصل بعدم استغراب الانهيارات السريعة للمواقع العسكرية التابعة للقوى النظامية الأسدية التي تختلط فيها بقايا الجيش مع الميليشيات المحلية قليلة التدريب والعدّة والعدد والكفاءة والمناقب!

ولا يُجادل أحد من «أهل الاختصاص» بالنكبة السورية، بأن تلك التركيبة ما عادت تنفع حتى للحراسة! وأن الميليشيات المذهبية المرعية من إيران، ومعها الطيران الحربي التابع لروسيا وجيش «الخبراء» و«المستشارين» الآتين من البلدين المذكورين، هم الذين يتكفلون بالحرب ومعاركها. ويتحكمون بكل مفاصلها. وأن خبريات كثيرة وخطيرة تظل تتوالى عن انعدام «ثقة» هؤلاء بالعناصر الأسدية وبقدرتها على التمسك بأي موقع يُسلّم إليها! عدا عن «انفتاحها» الملحوظ على «التجارة الحربية» التي منها مثلاً بيع هذا الموقع أو ذاك لمن يدفع أكثر! والذي تكرر، على ما يعرف قادة «حزب الله»، مرات ومرات وسبّب له خسائر بشرية فادحة!

وبالتالي ليس مستغرباً بالمعنى الميداني، أن يتمكن «داعش» من السيطرة في غضون ساعات على تدمر وعلى ثمانية مواقع أسدية في محيطها خلال أيام معدودة.. نتيجة هرب عناصر تلك المواقع! وبعضها من دون أن يُطلق رصاصة واحدة! خصوصاً وأن أصل الحكاية التدمرية الجديدة يقول بأن «المستشارين» والضبّاط الروس والإيرانيين وعناصر الميليشيات المذهبية الأخرى، كانوا نُقلوا من المدينة غداة «استرجاعها» قبل 9 شهور، إلى منطقة حلب تحديداً.

ما يُذكر عن تدمر قبل ذلك، هو أنها سُلّمت تسليم اليد إلى «داعش» عندما «احتلها» للمرة الأولى في منتصف العام الماضي، ثم انسحب منها من دون أي قتال قبل تسعة أشهر! فعاد إليها «جيش الأسد» منتشياً. وجاء العسكر الروسي إلى حواضرها التاريخية، وأقام فيها حفلاً موسيقياً طنّاناً، بُثّت وقائعه على الهواء، فشاهد العالم «الحر» الفارق «الحضاري» الكبير بين «ظلام» الجماعات الإرهابية الداعشية و«أنوار» المحررين ورِفْعتهم الفنية الأكيدة!

.. في البُعد التوليفي الملتبس تكمن وظيفة هذا الـ«داعش» وفي تدمر ذاتها، والمتممة لما فعله فيها سابقاً.. أي أن يحضر الكلام عن سيطرته على مدينة تراثية، عالمية إلى ذلك الحد، في الوقت الذي تستمر الإبادة الفعلية الجارية في مدينة حلب! وليس غريباً، في عالم اليوم، عالم أوباما وبوتين، أن تخرج أو تنظم حفلات ندب خشية على «آثار» تدمر من التخريب «الإرهابي» في وقت تكتفي دوائر الأمم المتحدة بتسريب أخبار عن «قلق» يعسّ فيها نتيجة فقدان الاتصال بالآلاف من الرجال الذين فصلوا عن عوائلهم لدى خروجهم من شرق حلب!

«المعضلة» الوحيدة في هذا الاستنتاج هي أن هذا العالم، عالم أوباما وبوتين، لم يعد في حاجة إلى أي «خدمات» إضافية لتبرير المذبحة في سوريا! بما فيها «سيطرة داعش» على تدمر!