Site icon IMLebanon

تدمر وقره باخ و”أوراق بناما”

لم يكن مفاجئاً اهتزاز الهدنة في سوريا عقب تمكن الجيش السوري من استرجاع تدمر والقريتين وبدء الحديث عن خيارات مفتوحة نحو دير الزور أو الرقة أو معبر التنف الحدودي مع العراق. هذا لم يرق الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا التي تقبلت بمرارة دخول الجيش السوري تدمر. لكن مرارة الاطراف الاقليميين من تركيا الى دول الخليج كانت أكبر، وهم يرون أن النظام السوري أمام فرصة إعادة إنتزاع الشرعية من الميدان، فكان لا بد من تحريك جماعات المعارضة المسلحة في حلب فكان الخرق في العيس وتلتها.

أي تقدم ميداني بحجم احتمال وصول الجيش السوري الى تخوم الرقة، سيكون من شأنه فرض قواعد جديدة للعبة في سوريا تتجاوز جنيف والمسارات السياسية الجاري الترتيب لها الآن، ذلك أن من شأن الرقة أن تعيد تأهيل النظام في سوريا الى حد ستجد معه أميركا نفسها محرجة في كيفية التعامل مع طرف له القدرة على تهديد “عاصمة” التنظيم المتطرف. ولهذا جاء قرار “البنتاغون” زيادة عدد القوات الخاصة الاميركية في شمال سوريا تمهيداً لتوسيع المشاركة الاميركية في العمليات البرية التي يشكل تحالف “قوات سوريا الديموقراطية” رأس الحربة فيها. وربما كان التلكؤ الاميركي في فتح معركة الموصل في العراق عائداً في الدرجة الاولى الى رغبة اميركية في التركيز على الرقة قبل ان يصل اليها الجيش السوري.

والمعنى الرمزي للرقة هو ما يتحكم الآن في المسارات السياسية أو العسكرية في الجغرافيا السورية. وكما تدرك أميركا وحلفاءها هذه الاهمية، تدركها دمشق وموسكو وطهران أيضاً. لقد كانت تدمر تتهاوى فيما الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يستقبل وزير الخارجية الاميركي جون كيري في الكرملين. وواشنطن استوعبت رسالة تدمر، ولذلك سمحت لحلفائها الاقليميين بأن يوعزوا الى الجماعات المسلحة التي يرعونها، بخرق اتفاق وقف الاعمال العدائية في حلب وكان اسقاط المقاتلة السورية بصاروخ أرض-جو هو الرسالة الاميركية الى روسيا. أضف أنه ليس مصادفة ان تعود واشنطن الى تكرار معزوفة ضرورة رحيل الرئيس السوري بشار الاسد في المرحلة الانتقالية… والرسالة الاميركية – التركية الى روسيا كانت في فتح جبهة اقليم ناغورني – قره باخ بعد هدوء استمر أكثر من 20 عاماً. وغاية واشنطن الآن منع دمشق وموسكو من استكمال ما بدأتاه في تدمر.

ولن تترك أميركا ورقة ضغط من غير أن تستخدمها في وجه الكرملين وصولاً الى “أوراق بناما” كي تمنع روسيا من المضي في سياسة دعم النظام في سوريا واعادة الشرعية إليه من خلال إنجاز استراتيجي بحجم المساهمة في ضرب “داعش” وتحويل دفة التوازنات السياسية والعسكرية التي تجهد واشنطن وحلفاءها لارسائها على أنقاض سوريا منذ ستة أعوام