IMLebanon

«تدمر» فيلم للتاريخ

«تدمر» فيلم يتوج عمل مؤسسة لقمان سليم «أمم للتوثيق والأبحاث» بدأته منذ ٢٠٠٧ و٢٠٠٨ مع مجموعة من المعتقلين اللبنانيين الذين أفرج عنهم من السجون السورية.

وقد بدأ العمل ببناء قدرات هذه المجموعات لتتمكن من الدفاع عن قضيتها. ثم تطور إلى أن وصل في ٢٠١١ إلى إحياء ما مر به السجناء من خبرة في وحشية هذا السجن. وبعد ذلك تحول هذا العمل الى فيلم مشترك لسليم ومونيكا بورغمان يعرض في العواصم الأوروبية قريباً، فهو قد يظهر في البداية أنه فيلم وثائقي تقليدي لكنه أقوى من ذلك، فلا يكتفي بنقل خبرة السجناء اللبنانيين والفلسطينيين الذين جرى اعتقالهم في لبنان ونقلوا إلى تدمر ولكن في الوقت ذات يُظهر السجناء الفظاعة التي ارتكبها النظام السوري منذ عهد حافظ الأسد واستمرارها في عهد ابنه.

ويعرض الفيلم كيف تابعت مجموعة السجناء حياتها بعد الفظاعة التي مرت بها. وقد جُمع حوالى ٢٢ شخصاً سجنوا في تدمر وجرى تصويرهم في مكان يشبه جو الاعتقال، وهو مدرسة الأب قرطباوي فوق قصر بعبدا، وهو المكان الذي تمركز فيه الجيش السوري بعد احتلاله قصر بعبدا. والفيلم اليوم حديث الساعة في الإعلام الغربي لأنه يعكس بدقة ما يقوم به نظام الأسد الأب والابن منذ عقود.

هذه الفظاعة التي يصورها الفيلم يتابعها اليوم «داعش» والنظام السوري، وهي صناعة هذا النظام وجزء لا يتجزأ من بقائه، فوجود سجون مثل سجن تدمر وصيدنايا ليس إلا صورة لحكم النظام المستمر في أدائه منذ احتلال لبنان وبعد انسحابه حتى ضربه شعبه والاستمرار في ارتكاب الفظائع في وجه عالم متفرج. كُتب الكثير حول تقرير «منظمة العفو الدولية» عن تعذيب ما بين ٥٠٠٠ و١٣٠٠٠ شخص وشنقهم بين ٢٠١١ و٢٠١٥. ونقل عن سجناء صيدنايا السابقين بأنهم شهدوا «مسالخ بشرية»، وقالت لين معلوف مساعدة مديرة «العفو الدولية» إن الفظائع التي صورها هذا التقرير تشير إلى حملة أدارها النظام لقمع أي معارضة من الشعب وتخويفه. إن مضمون هذا التقرير المتميز بجديته لارتكازه على معلومات شهود منهم ٣١ سجيناً سابقاً في صيدنايا وأربعة من الحراس وثلاثة قضاة سوريين سابقين وثلاثة أطباء من مستشفى تشرين العسكري في دمشق. روايات هؤلاء مرعبة وهي ليست جديدة، ففيلم سليم وبرغمان يصور هذا الواقع الكارثي الذي ترك لعقود يرتكب هذه الجرائم والعالم يكتفي بالإدانة عندما يتجرأ على ذلك.

إن تعبئة العالم لمواجهة داعش المجرم والقاتل مفهومة، لأنها مجموعة توسعت إلى العالم بأسره ولكن إرهابها نابع من إرهاب النظام الذي يدعي أنه يحمي الأقليات والمسيحيين منهم. وهذا الخطأ الفادح الذي يقع فيه بعض من يقول إن نظام الأسد يمثل تصدياً للارهاب يجب أن يرى الوقائع كما هي، فهو نظام اعتمد الإرهاب منذ البداية كأداة حكم وبسط النفوذ سواء في لبنان عندما كان موجوداً أو في سورية حيث شهدت حماة ثم درعا وحلب وجميع المدن الباسلة التي دمرتها براميل طائرات النظام وحلفائه الروس والحرس الثوري الإيراني مع وكلائهم في «حزب الله» على الأرض السورية ما هي إلا دليل على هذا النهج.

من المتوقع أن تبدأ مفاوضات في جنيف في ٢٠ شباط (فبراير) بين المعارضة وأطراف النظام، ولكنها لن تؤدي إلى نتيجة ما دام اللاعب الأساسي في هذه المفاوضات هو حليف الأسد الروسي من دون أي ضغط عليه. فإذا بقيت إدارة الرئيس ترامب على ما كانت عليه إدارة أوباما، أي التنازل المستمر للجانب الروسي، فمعنى ذلك أن كوارث المسالخ البشرية لن تقف وفلاديمير بوتين سيبقى مرتاحاً لها لأنها تبقيه وحده المهيمن في المنطقة كما تركه أوباما.