قراءة في دراسة «الدولية للمعلومات» عن استحقاق 2017
كلما ضاق هامش تعديل قانون الانتخابات مع ضغط المهل الدستورية، ارتفعت فرص اجراء الاستحقاق النيابي المؤجل من عام 2013 في موعده المحدد، ووفق قانون «الستين» النافذ.
الاحتمال الانقلابي وارد، ولو أنه ضعيف جداً. الخلاف المستحكم بين القوى السياسية على مشروع انتخابي مشترك، يكفي للقول بواقعية سياسية إنّ القانون النافذ عصيّ على وضعه على الرف، وبالتالي سيكون التمديد ولو التقني لمجلس مدد لنفسه لولاية كاملة (أربع سنوات) مجددا، يفتقر إلى الحجة السياسية والدستورية، ولن يُهضم دوليا.
ثمة من راح يتعامل مع هذه الفرضية على أنها الأكثر رجحاناً، ولهذا بدأت الحسابات الدفترية على أساس تقسيمات القانون المعمول به، ولكن وفق خريطة تحالفات وتفاهمات مختلفة كلياً عن تلك التي سادت السنوات الماضية.
لم يعد هناك من مطرح للاصطفاف الحاد بين 8 و14 آذار. ثمة تماوج في الألوان السياسية التي تداخل بعضها ببعض جراء التقاطعات الفوقية والاتفاقات المعقودة على الطاولة وتحتها، وستظهر مندرجات هذا المشهد السياسي المختلط في التحالفات المناطقية وصولا الى النتيجة العامة في السياسة والأرقام!
قدّمت الشركة «الدولية للمعلومات»، في عدد «السفير» يوم السبت الماضي دراسة علمية بالأرقام لنتائج الانتخابات المرتقبة في عام 2017 تبعا لأرقام الصناديق الانتخابية في عام 2009، ووفق «قانون الستين». ولقد أحدثت هذه الدراسة صدمة في الوسط السياسي، إذ إنها نقلت النقاش من العناوين إلى التفاصيل والأرقام والاحتمالات المطروحة. كما أن بعثات ديبلوماسية عديدة في بيروت راحت تستفسر عن الدراسة وأرقامها.
ووفق المنطق الذي يحكم الواقع السياسي الراهن، يبدو أنّ التفاهمات الراهنة في السياسة (رئاسة وحكومة) قد تتحول الى تحالفات انتخابية مناطقية موضعية تُنسج «على القطعة» تبعا لخصوصية كل قضاء، على طريقة الانتخابات البلدية إلى حد كبير.
ثمة قاعدة ذهبية، وفق دراسة «الدولية»، يبدو أنها ستحكم الاستحقاق، وهي أنّ «الكل بحاجة للكل». ليس بمقدور أي فريق أن يؤمن أكثرية عددية تمكّنه من فرض سيطرته في دوائر نفوذه، ولذا ثمة حاجة ماسّة لحياكة «توليفات محلية»، ولو من دون نكهة سياسية، تكون بمثابة خشبة خلاص تحمل الجميع الى برّ الأمان.
وكل أكثرية نيابية قد تفرزها الانتخابات، هي مشروع تحوّل الى أقلية، طالما أنّ هذه الكتل هي وليدة تقاطعات وتفاهمات، قابلة للتغيّر عند أي مفترق قد يفرضه الواقع السياسي المتحرك.
تجري الطبقة السياسية حساباتها على أساس أن الكل سيخرج رابحاً من الاستحقاق، ولو بدرجات مختلفة ومتباينة. لوحة سوريالية يمكن تخيلها من الآن ستفرض نفسها على حلبات التنافس. المناخ العام هو مناخ معارك انتخابية، ولكن في العمق هو محاصصة فعلية لمقاعد البرلمان.
في العنوان العريض لخريطة التحالفات، تشي النسخة الأخيرة من التفاهمات، وتحديداً بين «التيار الوطني الحر» و«القوات اللبنانية» وبين «التيار الوطني الحر» و«تيار المستقبل» أنّ هؤلاء سيشكلون منصة تحالف ثلاثيّ يحاول ترتيب لوائحه المشتركة في مناطق الالتقاء، وتحديداً بين «الثنائي المسيحي من جهة و «التيار الأزرق» من جهة أخرى… ولا بأس بالافتراق، كما سيحصل في زغرتا، حيث أعطى «المستقبل» كلمته لسليمان فرنجية، أو في الكورة، حيث ستكون الكلمة الفصل لفرنجية وفريد مكاري و«القوميين»، برغم إصرار مكاري حتى الآن على القول إنه غير مرشح للانتخابات النيابية المقبلة.
بالتفصيل أكثر، يتبيّن أن تفاهم معراب هو الثابت من الجهة المسيحية، كما «تفاهم مار مخايل» الذي سيحكم العلاقة في دوائر الالتقاء بين «التيار البرتقالي» و«حزب الله»، لا سيما في بعبدا التي يرجح فيها الصوت الشيعي ميزان القوى.
بينما وجود العونيين و«القوات» ضمن لوائح مشتركة في جزين وجبيل مثلاً، سيمنح هذين الفريقين أرجحية عددية، من شأنها أن تخفف من وطأة وأهمية الصوت الشيعي في هاتين الدائرتين.
ضمن روحية التفاهم السياسي، تظهر أول المؤشرات أيضاً، وفق دراسة «الدولية للمعلومات» أنّ «تيار المستقبل» لن يقفل باب الحوار مع الثنائي المسيحي في الدوائر المشتركة، وتحديداً في تلك التي يشكل فيها مسيحيو «اعلان النوايا»، ثقلاً انتخابياً، كدائرة بيروت الأولى التي تصير سهلة المنال بمساعدة الرافعة الطاشناقية.
هكذا يصير الدفع الأزرق لزوم ما لا يلزم ما يجعله أقرب الى التفاهم مع «الأقوياء» لا مواجهتهم، الا إذا نجح «بيت الوسط» في جرّ الحزب الأرمني الأقوى من أحضان تحالفه مع «التيار البرتقالي»، على قاعدة تفاهم واسع يضم الى الدائرة الأولى، الدائرة الثانية، وزحلة، لتشكيل قوة رديفة بإمكانها فرض معركة قاسية.
وبالمنطق نفسه، تصير زحلة «ملتقى العشاق»، اذا ما قرر «التيار الأزرق» جمع الأحباء والخصوم ضمن لائحة واحدة، وخصوصاً أنّ قوته ذات تأثير كبير، كما حجم الثنائي المسيحي. ويمكن لعاصمة الكثلكة أن تشهد ولادة تحالف واسع، خصوصاً اذا اشتغل «حزب الله» بدوره على هذا الخط، ربطاً بـ«التوزيعة» التي اعتمدها خلال الانتخابات البلدية.
هكذا، يبدو وفق الدراسة ذاتها أنّ مدينة طرابلس تتهيأ لتبعد عنها كأس معركة صعبة بين أقطابها السنّة، ذلك أن «تيار المستقبل» يطلق إشارات التفاهم الواسع كي لا يقع في فخّ صناديق اقتراع غير مضمونة النتائج، إلا إذا كانت هناك حسابات مختلفة خصوصا لدى الرئيس نجيب ميقاتي تجعله غير راغب باستنساخ التجربة الانتخابية البلدية والاختيارية.
في المقابل، فإنّ «المستقبل» سيتكفل بصياغة لائحته كيفما يريد في دائرة بيروت الثالثة ذات الأرجحية الزرقاء، كما في عكار مثلاً (ألمح هادي حبيش إلى تحالف ثلاثي في عكار)، الا اذا أراد أن يرفع من منسوب كرمه مع «الثنائي المسيحي»، فيحيل واحداً من المقاعد المسيحية له.
بالتوازي، فإنّ «المستقبل» سيقف الى جانب سليمان فرنجية في قضاء زغرتا، الذي من المرجح أن يخوض معركة بوجه الثنائي المسيحي، ومن البديهي أن يكون «التيار الأزرق» الى جانب المردة في «الكورة» أيضاً لكون فريد مكاري رفض الالتزام بقرار التصويت لمصلحة ميشال عون.
وهذا ما يزيد من صحة النظرية الرائجة التي تقول إنّ الاستحقاق المقبل سيكون نسخة منقّحة عن الاستحقاق البلدي، ولكن بنكهة نيابية. وبهذا المعنى، سيجد وليد جنبلاط نفسه مضطراً لمسايرة كل شركائه في الجبل، لأنهم اذا ما التقوا ضده، فسيضعونه في موقف صعب. لا يريده، ولن يجرّ نفسه اليه، خصوصا في الشوف، لأنه إذا حصل تحالف بين الصوتين المسيحي والسنّي، يصبح مصير المقعدين الدرزيين بيدهما وحدهما.
وحده «الثنائي الشيعي» ثابت في موقعه، ومرتاح لمكانته النيابية. في مناطق نفوذه لا حاجة له لأي صوت من لون طائفي آخر. بمقدوره التحكم بدوائره من دون تدخّل فريق ثالث. وفي مناطق الالتقاء، هو حاجة للآخرين لا العكس، باستثناء جبيل.
وفي مطلق الأحوال، فإنّ «قانون الستين»، على علته التمثيلية، هو قانون مذهبي بامتياز، لا ترويه الا المذهبية والطائفية، التي قد تخدم بعض القوى على المدى القريب، لكنها بلا شك ستكون علّتهم على المدى البعيد.
الجدير ذكره أنه استنادا إلى النتائج المتوقعة يتبين أن التحالف بين كل من «تيار المستقبل» و«التيار الوطني الحر» و«القوات» و«الطاشناق» قد يفوز بـ 74 مقعدا، وإذا إنضم إليه «الاشتراكي» ترتفع الحصيلة إلى 89 مقعدا، أي أكثر من ثلثي مجلس النواب (86 نائبا).
وإذا تحالف «حزب الله» و«أمل» و«التيار الوطني الحر»، تكون الحصيلة النهائية لهذا التحالف 48 نائبا في أحسن الأحوال.