يمكن القول أن جلسات الحوار هنا وهناك توصلت حتى الآن الى اتفاق على شكل الطاولة وعلى شكل الكراسي وعدد المدعوين وعلى نوع الزهور التي تزين الطاولة ومكان جلوس كل مدعو، لكن الخلاف لا يزال قائماً حول لائحة الطعام… نظراً الى اختلاف أذواق المتحاورين، إذ ان كل واحد يريد طبق الطعام الذي يشتهيه وإن لم يكن يشتهيه سواه، وعندها يصيب الجوع الجميع فيضطرون الى القبول بما يقدم لهم.
لقد تبين حتى الآن ان الخارج مثل الداخل غير متفق على اسم رئيس للبنان كما كان يحصل في الماضي لأن الطباخ كان واحداً، أما اليوم فهم كثر ولا شيء يقولونه للبنانيين سوى اتفقوا أنتم على مَنْ تريدون رئيساً. وها هم حتى الآن لا يتفقون على رغم ان بكركي حاولت مراراً ان توفق بين المرشحين الاقوياء، وعندما عجزت عن ذلك اكتفت بأن طلبت منهم حضور جلسة الانتخاب تأميناً للنصاب وترك الاكثرية النيابية المطلوبة هي التي تحسم المعركة. لكن بعض القادة الموارنة لم يفوا بوعدهم لبكركي بتخلّفهم عن حضور الجلسات فكانت بداية ازمة الشغور الرئاسي التي لا تزال مفتوحة حتى الآن وعلى شتى الاحتمالات.
والسؤال المطروح خصوصاً في الاوساط الشعبية هو: ماذا ينتظر مقاطعو جلسات انتخاب الرئيس بعدما تأكدوا ان الخارج غير متفق على اختيار رئيس للبنان في الوقت الحاضر، وهو بالتالي منشغل بما يجري في المنطقة، وهو خطير. ماذا يقول هؤلاء للناس، خصوصاً من لم يعد منهم مقتنعاً بالمقاطعة كوسيلة ضغط تفرض انتخاب هذا المرشح القوي او ذاك؟
لقد اعلن رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع، عندما تبين له ان لا حظوظ له بالفوز، انه مستعد للانسحاب لمرشح توافقي، لكن العماد ميشال عون لم يفعل مثله بل ظل مصراً على ان يكون هو المرشح الوحيد للرئاسة وإلا فلا انتخابات. فإلى متى يستطيع العماد عون الاستمرار في موقفه هذا وقد بات مرفوضاً شعبياً لانه يدخل البلاد في المجهول؟
ويكرر المتحاورون القول إنهم اتفقوا على امور كثيرة باستثناء الانتخابات الرئاسية… مع أنهم يجمعون على “لبننة” الانتخابات وعلى اعطاء الاولوية لها، لكنهم لا يفعلون شيئاً لتحقيق ذلك. فالامين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله دعا الى “بذل مزيد من الجهود لانتخاب رئيس للبنان”، لكن الناس لم يروا شيئاً من هذه الجهود سوى تكرار تأييده العماد عون مرشحاً للرئاسة مع علمه بان لا حظوظ له بالفوز، وكأنه يريد استمرار الشغور الرئاسي. في حين قال وزير الدولة لشؤون مجلس النواب محمد فنيش خلال لقاء اقامه “حزب الله” “ان الوضع في لبنان لم يعد يسمح بأن نتعامل مع الاستحقاق الرئاسي بعدم مسؤولية ومعرفة بتأثير من نختاره على مجمل الاوضاع السياسية من خلال اوضاع المنطقة. فنحن مرشحنا واضح وكذلك موقفنا، ولكن لا يعني ذلك ان يقفل الناس ابوابهم بعضهم على بعض ونقطع التواصل، بل يجب ان نبحث جميعاً عن الاوفر حظاً والاكثر تمثيلاً ونتحاور معه، وتتحاور القوى السياسية بعضها مع بعض لعله يحصل تطور أو انفراج ما نستفيد منه جميعاً”. والعماد عون نفسه بشَّر في تصريح له بفرج رئاسي عند نهاية شهر الصوم ومع عيد القيامة. فهل يعلن صيامه عن الترشح؟
الواقع ان كل يوم يمر ولا رئيس للجمهورية هو ضرر كبير يلحق بلبنان في كل المجالات. لذلك على المقاطعين، ولا سيما منهم نواب “تكتل التغيير والاصلاح” ونواب “حزب الله” ان يحسموا الأمر ويقرروا النزول الى مجلس النواب لتنتخب الاكثرية النيابية من تريد رئيساً لأن اي رئيس تلتقي القوى السياسية الاساسية في البلاد على تأييده يكون رئيساً قوياً، وكل رئيس لا تلتقي عليه هذه القوى يكون ضعيفاً مهما كان يمتلك من صفات القوة والتمثيل الشعبي او لديه اكبر كتلة نيابية.
فماذا ينتظر المقاطعون إذاً كي يعودوا عن مقاطتهم جلسات انتخاب الرئيس ما داموا باتوا متأكدين من ان الخارج غير متفق على اسم رئيس للبنان، وهو بالتالي مشغول بما يجري في المنطقة وبمواجهة خطر “داعش” والارهاب؟ ولا خرق للمقاطعة إلا بأحد امرين: إما ان ينتهي الحوار السني – الشيعي الى اتفاق على حضور جلسة الانتخاب تأميناً للنصاب، اياً يكن موقف العماد عون، ويترك لمجلس النواب انتخاب من يريد رئيساً بالاكثرية المطلوبة احتراماً للدستور وللنظام الديموقراطي، وإما ان ينتهي الحوار المسيحي – المسيحي، اي عون – جعجع، الى اتفاق على حضور جلسة الانتخاب تأميناً للنصاب اياً يكن موقف “حزب الله”، ويترك لمجلس النواب انتخاب من يريد رئيساً، وان لا اتفاق ممكناً حتى الآن إلا على رئيس من خارج 8 و14 آذار لأن اي مرشح ينتمي الى أحد هذين التكتلين هو مرشح خط سياسي معين ومع محور اقليمي ودولي معين لا يصلح لأن يكون مرشح وفاق ومصالحة وطنية حقيقية شاملة، بل هو مرشح غالب ومغلوب لا تتحمل تركيبة لبنان الدقيقة مثل هذا المرشح.