تؤرق الحرب المؤجلة مع حزب الله ، المنشغل في العمليات القتالية في سوريا، إسرائيل وتدفعها الى وضع خطط هجومية ودفاعية لمواجهة التهديدات، وسط عمليات الرصد والمتابعة المتبادلتين لاستعدادات الطرفان من اجل مواجهة سيناريوهات الحرب القادمة، الماثلة دائماً في اذهان القادة العسكريين، خاصة ان آخر التقارير الاستخباراتية الاسرائيلية تحدث عن ان «مقاتلي الحزب الذين لم يذهبوا الى سوريا وبقوا في جنوب لبنان ،يقومون بجمع المعلومات عن الجيش الإسرائيلي بشكل مستمر، بثقة كبيرة في النفس، يعدون المفاجآت، نتيجة السلاح المتطور الذي زودهم به الإيرانيون، ما دأب على تأكيده دوما امين عام حزب الله.
بالرغم من ان مسؤولا عسكرياً لبنانيا كبيراً سمع من موفد عسكري اميركي ان بلاده لا تملك اي معلومات حول «خطط عدوانية اسرائيلية «او ان الظروف الحالية هي ظروف حرب، فإن اوساطا دبلوماسية اوروبية في بيروت تبدي قلقها الشديد لان الاسرائيليين يعتبرون ان الجمهورية اللبنانية تتحول اكثر فأكثر لتصبح «مستوطنة ايرانية» على شاطئ المتوسط، خصوصا بعد وصول العماد عون الى بعبدا وتصريحات قادة الحرس الثوري بالرغبة باقامة قاعدة بحرية في سوريا.
في كل حال فإن لبنان يكاد يكون امام مأزق مصيري، بعدما ارغم على الغوص في النيران السورية كما في نيران اخرى، فيما الوضع الداخلي على درجة عالية من الهشاشة مع تصاعد الاحتقان السياسي والمذهبي على خلفية تشكيل الحكومة الجديدة وما خلفه من قطب مخفية ، حيث ترى الاوساط الديبلوماسية الاوروبية، انه وان كانت التسوية اللبنانية تبدأ بإعادة حزب الله إلى حجمه الطبيعي، وهو الأمر المستحيل في الوقت الحاضر، فان القلق الاساسي ليس على مصير الحزب الذي لا بد أن يتم تطويقه كما تصفية ظواهر أخرى، عندما تدق ساعة التسويات الكبرى والتسويات الصغرى على السواء، انما على مستقبل لبنان في حال وقوع المواجهة.
وبعيدا عن الخوض في التكهنات، مع توالى التصريحات الاسرائيلية حول «حزب الله» ، تعتقد قيادة المنطقة الشمالية في الجيش الإسرائيلي، المسؤولة عن حفظ الأمن على الحدود السورية-اللبنانية ، «بأنها تحولت إلى جبهة عسكرية صعبة، حيث قد يجد الجيش الإسرائيلي نفسه مضطرا لإعادة صياغة سياسته التي يتبعها في تلك المنطقة خلال الفترة القريبة القادمة في ضوء تقدير الموقف الأمني، ويمكن تلخيصها في جملة اعتبارات أمنية وعسكرية، ذلك ان الاعتبار الأمني الأول يكمن في محاولة الجيش الإسرائيلي الحفاظ على الهدوء في هضبة الجولان، وهي المهمة التي تبدو الأكثر صعوبة، في ظل تفلت الاوضاع على الضفة السورية مع تورط أطراف عديدة أمثال حزب الله وإيران وتنظيم الدولة الإسلامية وغيرها».
اما الاعتبار الثاني الذي يحدد سياسة تل ابيب نحو الحدود الشمالية مع سوريا ولبنان، بحسب محللين اسرائيليين، يكمن في منع نقل أي أسلحة نوعية إلى حزب الله، حيث يحاول الرئيس السوري أن يرد «فضل» السيد حسن نصر الله في منحه وسائل قتالية متطورة ونوعية، في حين أن الجيش الإسرائيلي وأجهزة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية لا تضيع لحظة في متابعة كل معلومة صغيرة أو كبيرة حول هذا الشأن، وربما تبدو محاصرة الحدود السورية مع لبنان مهمة حيوية، حيث تخشى إسرائيل ، ان يحصل حزب الله على هامش وفرصة للاستفادة من هذا الوضع لكي يقوم بنقل أسلحة متطورة وثقيلة إلى الأراضي اللبنانية وبعضها تلك المصنوعة في روسيا.
وفي هذا السياق، تلفت التقارير الاسرائىلية إلى أنه على الرغم من وقوف إسرائيل في المعسكر الأميركي، إلا أن رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، يحرص على استخدام علاقاته الشخصية التي تجمعه بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين لابقاء خطوط التواصل والتنسيق قائمة بين الطرفين، والحد من امكانية اي اصطدام اسرائيلي-روسي، وهو ما كان حرص عليه خلال زيارته ايلول الماضي الى موسكو، ناجحا في تحقيق تفاهم لتفادي وقوع معارك جوية واشتباكات بين الطرفين، في عملية تقاسم للاجواء السورية ما يطرح التساؤلات عن سر عدم تشغيل منظومات الدفاع الجوي من طرازي اس 300 و400 ضد الطائرات الاسرائيلية، من عملية اغتيال القنطار وصولا الى غارة الامس.
تلك التطورات المتسارعة في سوريا وبوتيرة عالية، تفرض على تل ابيب درجات عالية من الحذر المتواصل وتفعيل عملها الامني والاستخباراتي لمتابعة ورصد ما يحدث عند الحدود اللبنانية السورية كما على الجبهة الشمالية الممتدة من الناقورة الى قمم الجولان بحسب التقارير الاسرائىلية، مع تركيز تحذيراتها خلال السنوات الاربعة الاخيرة، تركزت كلها على نقل السلاح الذي يوصف بـ «الكاسر للتوازن» من سوريا الى حزب الله، مع ملاحظة انتقال الاهتمام من الكم الى النوع، وسط العجز الاستخباراتي عن انجاز الكثير في هذا المجال ، رغم نجاح سلاح الجو في تنفيذ غارات استباقية ضد مخازن سلاح معد للنقل الى لبنان او قوافل سلاح ،اكثر من مرة.
عليه، يدرك حزب الله حجم التحدّي، وهو على اطلاع تام بكل ما يقال ويكتب حول الحزب في إطار الحرب النفسية الدائرة على أشدها اليوم ، سواء في إسرائيل أو المنطقة. فقتاله التكفيريين وإن كان في جوهره قتال «لأدوات إسرائيل»، إلا أنه لن يصرفه عن العدو المركزي، وأنه آن الأوان ليفهم كل من يهمه الأمر أن حزب الله لم يتخل عن مقاتلة اسرائيل.