في مقابلته مع «هيئة الإذاعة البريطانية»، صدم بشار الأسد الصحافي جيريمي بوين عندما قال بتهكم إن «الجيش السوري لا يستخدم براميل متفجرة… ولا طناجر». الصدمة عبّر عنها بوين في التحليل الذي أرفقه بنص المقابلة قائلاً: «إن استخدام كلمة طناجر تعني إما أن الرئيس السوري لا مبال، أو أن لديه حس فكاهة مقذعاً، أو أنه مفصول عن الواقع وعما يحدث ويشعر بأنه مغلوب على أمره».
والأرجح أن الاحتمالات الثلاثة مجتمعة في شخص حاكم دمشق. فهو فعلاً لا يبالي بما يحصل لشعبه ولا يعنيه سوى الحفاظ على الحيز الجغرافي المتبقي له من دمشق ومحيطها يمارس عليه سلطته، وكلما أحس بالخطر يقترب منه، استشرس في الدفاع عنه واستخدم كل ما يملك من وسائل قتل وتدمير، وأمعن في إظهار عنفه كي يردع المعارضة عن تهديده مجدداً. بل إنه هو بالتأكيد من يشجع جيشه على الذهاب في القسوة إلى أقصى حدود، ولا يرى ما يسيء في استخدام براميل متفجرة تدمر أحياء بكاملها على رؤوس قاطنيها، مثلما يحصل في ضاحية دوما الدمشقية منذ أيام.
وبالتأكيد، تجاوز الأسد الحياء منذ وقت طويل، فلم يعد يخجل من جريمته، بعدما بلغ عدد ضحايا حربه للبقاء أكثر من 200 ألف سوري وما يزيد على مليون ونصف المليون جريح وأكثر من 500 ألف معوق. ومن يوغل في دم شعبه بهذه الطريقة لا تعود الأرقام تعنيه، ويتوقف الضحايا عن أن يثيروا لديه أي شعور بالندم أو حتى مجرد الإشفاق. صار هؤلاء أرقاماً فقط تطمئنه كلما ارتفعت إلى أن أمله في البقاء قائم، وتقلقه عندما تنخفض فيطلب المزيد.
نفى الأسد في حديثه أن تكون سورية دولة فاشلة، وقال في إجابة لا تمت إلى الواقع بصلة: «لا يمكن الكلام عن دولة فاشلة طالما أن الحكومة ومؤسسات الدولة تقوم بواجباتها نحو الشعب السوري»! لكن عن أي شعب يتحدث وعن أي واجبات؟ هناك 11 مليون سوري، أي نصف الشعب، نزحوا داخل بلادهم أو فروا إلى خارجها، بعدما اختفت منازلهم ومدنهم وقراهم وحقولهم… أما حكومته فتحولت إلى هيئة لإدارة المافيات والعصابات التي تجبي الأتاوات من السوريين في مقابل تأمين بعض احتياجاتهم الملحة، في أبشع صور الفساد وآلياته.
وإذا لم تكن دولته فاشلة، فماذا يعني وجود ميليشيات «حزب الله» و «عصائب أهل الحق» و»الحرس الثوري» على الأرض السورية؟ وماذا يعني أن يتولى الحزب اللبناني قيادة القوات السورية النظامية في المعركة الدائرة حالياً في القنيطرة؟ وبماذا يُفسر إمساك إيران بأي قرار يتعلق بالتفاوض من عدمه، مثلما حصل في موسكو أخيراً.
حتى ما أقر به الأسد في أحاديث وتصريحات سابقة تراجع عنه في المقابلة الجديدة، فاعتبر أن نظامه لم يرتكب أخطاء في معالجة التظاهرات الأولى التي انطلقت في آذار (مارس) 2011، وتساءل بسخرية فاضحة عما إذا كان رجال شرطة قال إنهم سقطوا في بداية الأحداث «قتلوا بالموجات الصوتية للمتظاهرين».
لن تكفي الابتسامات و»القفشات» التي وزعها الأسد خلال المقابلة لإخفاء الواقع المأسوي والمؤلم لسورية، ولا لإثبات ثقة حاكم دمشق بنفسه. فالجميع يعرف أن قراره ليس بيده وأنه لا يملك سوى الذهاب بعيداً في العنف بعدما أغلق طرق العودة. ولعل إصراره على السخرية من آلام بلده وشعبه، قد يدفعه يوماً إلى استخدام الطناجر المتفجرة، تلقيها طائراته على السوريين بدلاً من مواد الإغاثة.