سُعِدت، أمس، باللقاء الذي دعاني إليه رئيس أساقفة طرابلس المارونية، سيادة المطران يوسف سويف في مقر المطرانية «قلّاية الصليب»، وقد ازداد سروري وتضاعفت سعادتي عندما تبيّن لي أنها لا تزال داراً للبنانيين كلهم، من سائر ألوان الطيف اللبناني وليس للموارنة وحدهم، على خطى الأساقفة الأسلاف الأبرار، مَن كان لي الحظ والشرف في التعرف إليهم شخصياً ومباشرة، أو أولئك الذين وصلت إليّ سِيرُهم المعطرة بالتقوى والإيمان والوطنية الصافية.
المناسبة كانت حول الرسالة البابوية الثامنة والخمسين التي أصدرها قداسة البابا فرنسيس الأول في اليوم العالمي للإعلام، وهذا تقليد إرشادي درج عليه الفاتيكان منذ عقود، وهي بعنوان «الذكاء الاصطناعي وحكمة القلب: للتواصل البشري الكامل».
ضاقت قاعة الاستقبال، في القلّاية، على رحبها، بالزملاء الصحافيين والإعلاميين على مختلف وسائط الإعلام التي يمثّلون، يتقدمهم القياديان الإعلاميان في الكنيسة المارونية سيادة المطران أنطوان نبيل العنداري المشرف الأعلى على الإعلام في الكنيسة، والمونسنيور عبدو أبو كسم رئيس المركز الكاثوليكي للإعلام وفريق من مساعدي المطران سويف. وكانت كلمات ومداخلات رصينة حمّلها أصحابها من الزميلات والزملاء الكثيرَ من شؤون وشجون «مهنة البحث عن المتاعب» وهي التسمية التي أعترِضُ عليها، فالمرء يبحث عمّا يفتقد، أمّا المتاعب فالصحافة غارقة فيها الى ما فوق الهامات. ولمّا كان الشيءُ بالشيءِ يُذكر، فأنا اعترض على تسمية «السلطة الرابعة»، فأتواضع لأدّعي أننا «إحدى السلطات الأربع».
ومن خلال تجربتي في مواقع صحافية قيادية في بيروت ولندن وباريس ودبي والمنامة، حيث أسّستُ جرائدَ ومجلّاتٍ، وبعد تعاملي مع الكثيرين من الصحافيين، بمن فيهم الزملاء الطرابلسيون تحديداً والشماليون عموماً، أشهدُ (ولله الشهادة) أن زملاءنا الشماليين الأعزاء أثبتوا الجدارة وتمتعوا بالكفاءة، وتحصّنوا بالأخلاق وآداب المهنة، وشهدوا للحق، والحق يحرّر، كما علّمتنا تعاليمُنا المقدُّسة… بالرغم من أنهم يدفعون ضريبة الجغرافيا التي أبعدتهم عن بيروت حيث الأضواء تظلّ متلألئةً بالرغم من العتمة.
وأمّا أكثر ما يدعو الى الأمل بمستقبل هذه المهنة الشريفة فهو أن الزملاء الذين التقيتُهم، أمس ، في ظلال سيادة المطران سويف الوارفة، لا يزالون يتعاملون معها بجدّية، وهذا أمرٌ، يحمل في حد ذاته، بشائر الخير… وأمّا سويف الجالس على عرش قلّاية الصليب الزاهرة، فأنا واثق بأنه سيستعيد مجداً يستحق كلّ حماسة واندفاع ووعي وإيمان… وهو لها كلها.