IMLebanon

السفير البابوي يتحرَّك: رئيسٌ بعد أيلول؟

يحاول الفاتيكان أن يأتي برئيس للجمهورية اللبنانية بعد أيلول، أي بعد زيارة البابا فرنسيس لواشنطن وإقرار الاتفاق النووي في الكونغرس. وفي الأوساط الكنسية المارونية رهان على أنّ هذه المحاولة هي الأكثر جدّية منذ أيار 2014. فهل هذا الرهان في محلّه أم سيخيب؟

ظنّ البطريرك الماروني الكاردينال بشارة بطرس الراعي، خلال زيارته لباريس في نيسان، ولقائه الرئيس فرنسوا هولاند، أنّ الفرنسيين يستطيعون الدخول على خط المفاوضات حول الاتفاق النووي، لمطالبة إيران بتسهيل الإنتخابات الرئاسية.

كان ذلك «خرطوشة» أخرى، جرَّبت بكركي استخدامها، لعلها تنقذ الموقع الرئاسي من فراغٍ بلا أفق. ولكن، بعد توقيع الاتفاق، بقيت فرنسا عاجزة عن تسويق الانتخابات الرئاسية في طهران، على رغم أنها رفعت مستوى الوساطة من مدير شؤون الشرق الأوسط في الخارجية جان فرنسوا جيرو إلى وزير الخارجية لوران فابيوس.

الوزير الفرنسي عاد خائباً من طهران لأنه حصد ثمار الموقف الفرنسي المتشدِّد إزاء إيران خلال المفاوضات على النووي. فكلّ مِن إيران والولايات المتحدة كانتا منزعجتين من الموقف الفرنسي الاعتراضي والأقرب إلى الإسرائيليين.

ولذلك، ردّ الإيرانيون على فرنسا بعد التوقيع، فتجاهلوا مبادراتها. وهم مستعدون لإجراء المقايضات مع الولايات المتحدة وليس مع فرنسا. وفي أي حال، تمتلك إدارة الرئيس باراك أوباما كثيراً من عناصر البيع والشراء، خلافاً لباريس.

وكذلك، لا يريد الأميركيون منح باريس جائزة ترضية بعد الاتفاق، لأنها بدت خلال المفاوضات وكأنها شريك مضارب لهم. إذاً، «يرفع الفرنسيون العشرة» إزاء الملف اللبناني، والرئاسة جزء منه.

ومن هنا استنجادهم بالفاتيكان الذي لم يحرق رصيده لا مع إيران ولا السعودية ولا الولايات المتحدة. ومن هنا رهان الأوساط الكنسية في لبنان على أنّ المحاولة الفاتيكانية هي الأقوى والأكثر جدّية لإنهاء الفراغ الرئاسي.

ففي 22 أيلول المقبل، سيقوم البابا بزيارة تاريخية للولايات المتحدة وكوبا، تتويجاً لوساطة نادرة كان رائدها، وانتهت بترميم العلاقات بين الجزيرة الكاثوليكية الصغيرة والجار الأميركي الجبّار. ونجحت الوساطة في رفع العلم الأميركي في هافانا، بعد 50 عاماً من العداء.

إذاً، رصيد البابا في واشنطن عند ذروته، خلافاً للرصيد الفرنسي. ولذلك، تراهن الكنيسة في لبنان والحراس الأوروبيون للرئاسة (فرنسا خصوصاً) على أن يستجيب الأميركيون لطلب البابا، السعي لدى حلفائهم السعوديين ومفاوضيهم الإيرانيين لتسهيل انتخاب الرئيس.

ويؤكد بعض المتابعين أنّ المساعي الفاتيكانية ستنطلق من ملف حَمله وزير الخارجية الفاتيكاني السابق الكاردينال دومينيك مومبرتي، وهو فرنسي، بعد زيارته لبنان في حزيران.

وقد مهَّد لتلك الزيارة سفير الفاتيكان في لبنان المونسينيور غابرييل كاتشيا بجولة على القيادات المسيحية في محاولةٍ لتكوين خلاصة يضعها في يد الوزير. ولكنّ السفير لم يصل إلى نتيجة بسبب إصرار كلّ مِن هذه القوى على موقفه.

ولذلك، حضر مومبرتي إلى لبنان موفداً شخصياً من البابا، ولكن بلا مبادرة، وبهدف الاستطلاع، لأنّ من غير المسموح أن تفشل مبادرةٌ طرَحها البابا. وقد كانت له مهمّات ذات طابع كنسي، لكن أيّ نتيجة لم يتمّ التوصّل إليها رئاسياً.

ويمكن اختصار الطرح الفاتيكاني بالآتي: إنّ مسيحيّي الشرق في خطر، ويجب تدارُك ما تبَقّى من وجود ودور لهم في لبنان. ورئيس الجمهورية اللبناني هو الرئيس المسيحي الوحيد في الشرق، وانتخابُه ضمانة أساسية لدور المسيحيين.

ويقوم الفاتيكان حاليّاً بـ»مسح» جديد للمواقف إزاءَ الملف الرئاسي. ويتولّى هذه المهمّة السفير كاتشيا بتكليف من وزير الخارجية الكاردينال غالاغر، استباقاً لزيارة البابا.

ويذهب بعض المتفائلين إلى القول: إسم الرئيس الجديد جاهز في بعض المحافل، ولا ينقصه سوى قرار بالإفراج عن الرئاسة كي تتمّ الانتخابات. ويَعتبر هؤلاء أنّ التوقيت مناسب والظروف ملائمة.

ففي أيلول، سيكون الكونغرس قد أقرّ الاتفاق حول النووي مع إيران، كما هو مرجَّح. ولذلك، هناك فرصة لأن تكون الرئاسة في لبنان ضمن سلّة التفاهمات الشاملة. وليس هناك سبب لكي يرفض الأميركيون والإيرانيون على حدّ سواء انتخابَ رئيس في لبنان.

إلّا أنّ المتشائمين، أو الأكثر واقعية، لا يتوقّعون نجاح المساعي البابوية. ويقولون: ليس السبب هو أنّ الأميركيين «لهم ثأر» على الرئاسة في لبنان، بل لأنّ مفاوضاتهم مع إيران تتجاوز لبنان لتشمل الشرق الأوسط بكامله.

وإذا كانت اعتبارات الإيرانيين تدفَعهم إلى المزيد من التريّث في ملء الفراغ الرئاسي، إنتظاراً لتسوية مع السعوديين، فإنّ واشنطن لن تفتعل أزمة معهم من أجل رئيس مسيحي في بعبدا!

فالأميركيون قد يكونون مستعدّين لتلبية مطالب البابا في الحفاظ على حضور لمسيحيّي الشرق، ولكن ضمن سلّة المصالح الشرق أوسطية. وهنا، قد تنجو الرئاسة اللبنانية برأسِها، وقد لا تنجو. فهي تفصيل صغير في الملف الكبير.

وأساساً، لم ينظر الأميركيون يوماً إلى الأقلّيات المشرقية إلّا من باب المصالح الكبرى… فالكمبيوتر الأميركي مليء بالأرقام… لكنّه خالٍ من العواطف!