Site icon IMLebanon

واتساب و”إيموجي” وأرنب وبيض العيد… المسيح حقاً قام

 

بطاقات المعايدة الورقيّة ونوستالجيا جيل أصبح “دي مو دي”

 

 

أمور كثيرة تتغيّر. نعرف ذلك وتعرفون بالتأكيد ذلك. فلنبدأ من الآخر: المسيح قام… هللويا. وصلتكم المعايدة؟ قمتُ بواجبي. ماذا عنكم؟ كم صورة ليسوع وهو يدحرج الصخرة عن قبرِهِ، هازماً الموت، أصبحت في ذاكرة هاتفكم النقّال؟ كم بطاقة إلكترونية عليها رسم بيض العيد وأرنب تستعدون لإطلاق سراحها في لبنان والمهجر يوم العيد؟ هكذا أصبحنا- منذ أصبحنا أسرى الهواتف الخلوية- نلتقي عبر «زوم» ونرسل قبلات مجانية غالباً من «ديبو الإيموجي» (مخزن رموز التعبير عن النفس إلكترونياً) ونهدي بعضنا بسخاء صوراً ورموزاً وقبلات. فهل تغيّرنا؟ هل هذه حداثة أم فجوة إجتماعيّة أم لزوم ما لا يلزم؟

أتتذكرون آخر بطاقة معايدة ورقيّة حصلتم عليها؟ كانت عليها عبارات بخط اليد، حين تفتحونها تعزف. كانت جميلة، مليئة بالإحساس، إختيرت بعناية لكم ولكم وحدكم. فلفشوا في خزائنكم. لا بُدّ ستجدون ما تخبّئونه برمش العين ونبض القلب قبل صندوق الذكريات. بطاقات المعايدة كانت لها قيمة استثنائية لكنّ الزمن تغيّر وما عدتم تَهْدون ولا تُهدَون. إنّه التطوّر وزمن السوشال ميديا. ها هي الأعياد تزحف تباعاً. أتتذكرون آخر مرة قصدتم فيها مكتبة ما ووقفتم أمام رزم بطاقات المعايدة لاختيار ما يليق بالأصدقاء والأقارب والأحبّاء؟ كلنا كنّا نفعل ذلك ونقدّم البطاقة المختارة بعناية المذيّلة بقلب مرسوم وحبّ كبير. كانت أياماً جميلة. فهل انتهت؟

 

حضور وتراجع

 

لا، لسنا نعيش في المريخ ولا في سنة «بندق أبو فتيلة» لكن ثمة أشياء، تفاصيل، من شأنها إما تعزيز نوستالجيا الأيام الغابرة عند الكبار أو تعزيز مشاعر ملموسة لدى الشباب. بطاقات المعايدة الواقعية الورقية واحدة منها. ماذا يقول المستشار في مواقع التواصل الاجتماعي بشير التغريني؟ يجيب: «إختلفت المعايدات في هذا الزمن، وأصبح الناس يرسلونها عبر الواتساب أو الفيسبوك أو «فويس» (رسالة صوتية) أو سوى ذلك عبر مواقع السوشال ميديا المختلفة. أصبحنا في عالم مختلف. هناك من تقبّله برحابة صدر وهناك، جيل أكبر، لم يتقبّل هذا التحوير في طبيعة المعايدات ويرى فيه «قلة احترام». هناك جيل يعتقد بلزوم أن يتّصل المرء على الأقل ويسمع صوت الآخر ويطمئنّ عن أحواله وهو يوجّه له التحيّة والمعايدة: كل عيد وأنتم بخير. في الإتصال نوع من الاحترام الشخصي أما الرسائل الإلكترونية فقد توجّهها شركة أو سياسي أو مؤسسة عملاقة عابرة للقارات لديها عدد كبير من الزبائن و»المتابعين» followers. إنها رسائل أشبه «برفع عتب» في العيد. ويستطرد التغريني بالقول: هناك من يرسلون رسالة SMS. إنها أكثر لياقة واحتراماً وإن كانت أقل ممّا يتوقّعه من ينتظرون بطاقة بالاسم».

 

أمور كثيرة نفتقدها. الحياة تتغيّر وهذا طبيعي. لكن، هل صحيح أن بطاقة المعايدة الورقية تلامس نوستالجيا جيل أصبح «دي مو دي»؟

 

الحقيقة قد تفاجئكم. الشباب والصبايا يعشقون بدورهم تقديم بطاقة المعايدة الورقية. ما زالت لها، في قاموسهم أيضاً، نكهة خاصة. بول حلو، المسؤول في مكتبات معوّض، يقول: «بيعت بطاقات كثيرة كثيرة يوم عيد المعلّم ويوم عيد الأمّهات. وهذه السنة، سنة 2024، أكثر بكثير من الأعوام التي مضت».

 

جميلةٌ هذه المعلومة من مكتبة كانت حاضرة زمن الجيل القديم وتستمرّ مع الجيل الجديد. جيل الشباب ما زال يبحث عن بطاقة ملموسة باليد وهذا نذير إيجابي. ويقول حلو: «بطاقات المعايدة تستمرّ في نيل حصة على رفوفنا. خصّصنا لها في عيد الأم ثلاثة «ستاندات». ونحن نشجّع الصناعة الوطنية لذلك، فالبطاقات، بغالبيتها، صُنعت يدوياً من قِبل نساء لبنانيات وهي ليست مجرّد طباعة وصورة وجملة ألصقت لصقاً وتتراوح الأسعار بين 75 سنتاً وثلاثة الى أربعة دولارات بحسب حجم البطاقة. ويشير: أكثر بطاقات المعايدة طلباً تكون في عيدي الميلاد والمعلّم ما يدلّ على أن الجيل الجديد هو الزبون الأول. كما أن المؤسسات تطلب عادة رزماً منها لتوزيعها في عيد الميلاد. ونحن ننتظر زمن القربانة الأولى حيث لا تزال البطاقات مطلوبة ومثلها بطاقات الزواج والمعمودية. وينهي بالقول: بطاقات المعايدة مثلها مثل الجرائد الورقية تراجع حضورها لكنها تستمرّ موجودة. سابقاً، كنا نأتي بثلاثين نسخة من صحيفة لبنانية فأصبحنا نكتفي بثلاث نسخ اليوم».

 

اليوم، نعبّر عن امتناننا وشوقنا ومحبتنا وتعاوننا ومشاعرنا من خلال رموز إلكترونية، لكن، تستمرّ البطاقات الورقية تعبّر بشكلٍ أدق عن رقيّ المشاعر وصدقها. كانت تُرسل عبر البريد، من بلد الى بلد، ومن منطقة الى منطقة، وحين نستلمها نفرح بها ونضعها في درج خاص لتُصبح من ذكرياتنا الجميلة التي تصمد ما حيينا. الآن، في العيد، تصلنا عشرات الرسائل الإلكترونية التي نحذفها وننساها. فقدت رسائل المعايدة رونقها، بحسب المستشار في مواقع التواصل الاجتماعي بشير التغريني ويشرح: «لا إحصاءات اليوم عن عدد رسائل المعايدة الإلكترونية عبر الواتساب أو البريد الإلكتروني. صعبٌ إحصاء هذا النوع من المعايدات. يضيف: اليوم، هناك دعوات الى أعراس تُرسل إلكترونياً. التقاليد والعادات تتغيّر، ومثلها درجة التعبير عن الاحترام للشخص المرسلة إليه البطاقة. حتى الخلافات بين شخصين تستعر أو تُحلّ إلكترونياً ما جعل المشاعر المباشرة تختفي. وهذا سببه التطوّر. ويستطرد: كم هو سخيف أن تصلنا رسالة معايدة لا تتضمّن حتى اسمنا ونحن مدركون أن من أرسلها لنا أرسل معها عشرات الى آخرين نسخة طبق الأصل. ونحن، مثلنا مثل الآخرين، نجاري التقليد الجديد، واضعين أسماء لم نكن نفكّر من قبل في معايدتها- مع أشخاص يعنون لنا- فلا من نفكّر فيهم يأخذون حقّهم ولا الأشخاص «كمالة العدد» يهتمّون لما فعلناه. والأنكى، أن هناك أشخاصاً ممن أرسلوا لنا معايدة كهذه يعاتبوننا إذا لم نجب ونردّ لهم المعايدة إلكترونياً مع 600 أو ربما 6000 آخرين».

 

كان غير شكل الزيتون

 

تاريخياً، يعود تبادل التحيات بين الأصدقاء الى العصور القديمة. في مصر وزمن الرومان وفي إنكلترا وفي الولايات المتحدة الأميركية وفي لبنان… وهل تتخيلون جمالية أن تضمّ بطاقة المعايدة غصن زيتون؟ هل تتصوّرون معنى أن تطبع إحداهنّ قبلة حقيقية من شفتيها على بطاقة معايدة حقيقية في زمن الفالنتين؟ من يقرأ سيبتسم على الأرجح معتبراً أننا نتكلم على زمن أفلاطوني ولّى وزماننا أصبح ضيقاً أكثر من قبل، ما إن يبزغ الفجر حتى يتسلّل الليل. و75 سنتاً- وهو أدنى سعر لبطاقة معايدة حقيقية- بات أكبر من قدرة محبّ على تحمّل تسديده. شراء ربطة الخبز في بلادنا أصبح أولوية على بطاقة معايدة حقيقية. وما دام الزمن أصبح إصطناعياً في كل العالم فليكن أيضاً في لبناننا.

 

نتفق معكم على أن الزمن- بمختلف معاييره- تغيّر. لكن، ما رأيكم في إعطاء بطاقة المعايدة الإلكترونية الخاصة بكم- وبنا- طابعها الخاص. ثمّة تطبيقات مخصّصة لهذه الغاية. تطبيق Canva واحد منها. لكن، هناك تحذير من المعنيين في العالم الإلكتروني: إنتبهوا في العيد من البطاقات الملغمة؟ بطاقة المعايدة التي هي لفتة لطيفة قد تجعلكم تنهمكون أياماً في تنظيف آثارها. قد تأتيكم من مكان ما محمّلة بجرثومة خبيثة مصنوعة بأيدي مجرمي الإنترنت للإيقاع بكم. ثمّة بطاقات مقنّعة تنتشر، ومن الضرورة الإنتباه منها. فلا تفتحوا رابط كل بطاقة معايدة تصلكم كي لا تكونوا فريسة سهلة للهاكر الذي ينوي سرقة محتويات جهازكم. بكلمة أخرى «بلاها» هالمعايدة التي توزّع «بالجملة» وتضعكم في خطر ولو بنسبة واحد في المئة.

 

ماذا بعد؟

المسيح قام. حقاً قام. معايدة من القلب، عبر الأثير والقلم، لكم.