Site icon IMLebanon

أوراق منثورة على صفحة الانتخابات النيابية رافقت التجديد العام ١٩٤٧

أوراق منثورة على صفحة الانتخابات النيابية رافقت التجديد العام ١٩٤٧

جمهورية من دون رئيس بعد ٢٠٠ يوم من الشغور

والاتفاق على قانون انتخابي مشكلة قبل التوافق الرئاسي !

بين ملحمة الشهادة العسكرية، وملاحم الشهادة عند العسكريين، ترسم قصة وطن يبحث عن مستقبل، وحكاية بلد تائه في بيداء التصحر اللبناني بين عاصفة على الرمال وعاصفة على الانسان، والجمهورية الحائرة بين الضياع والاستقرار.

طبعاً، لم يكن استشهاد علي البزال نهاية المطاف، لم يكن استشهاد العسكريين السبعة في مجاهل البقاع، بداية الصراع للذود عن جمهورية مضى أكثر من مئتي يوم بقليل، من دون رئيس للجمهورية، يقود البلاد الى مرابع الحكم.

كان الرئيس الياس سركيس، يجلس في دارته الكائنة في محلة الحازمية، عقب انتخابه رئيساً للجمهورية، قبل نحو ستة أشهر من انتهاء ولاية سلفه الرئيس سليمان فرنجيه.

وما إن استوى في مقعده، حتى بادره الوزير السابق كريم بقرادوني بالسؤال الآتي: غداً، سيكون لكم الموعد الأول مع رئيس الجمهورية، هل ستسألونه عن موعد تسليمه الجمهورية لكم.

أطرق الرئيس سركيس هنيهة، والتفت الى الصحافي الشهير فوزي مبارك، وقال للرجل الذي أصبح لاحقاً أحد مستشاريه: أنا أقبل بما يقوله صحافي عريق ومدرسة في الوفاء والوطنية.

وأجابه يومئذٍ الزميل في الأنوار: عفوكم – فخامة الرئيس – أيُفتى ومالك في المدينة كما تقول الأمثال.

وأردف الرذيس الجديد للبلاد: أصلاً، كان انتخابي قبل نهاية عهد الرئيس فرنجيه، للتأكيد، للقريب والبعيد، أن منصب الرئاسة ثابت لا عابر، وأن لا أحد بامكانه أن يُنقص مدته يوماً أو يزيدها يوماً.

وعقب بقرادوني: فقط أردت أن أسأل عن سر انتخابكم باكراً، اذا لم يكن وراءه رغبة في أن تتسلموا سلطاتكم قبل أوانها؟

وهنا، دخل على خط الحوار الزميل فوزي مبارك: الصحافي هو شاهد على العصر. وأنا شاهد على أصالة الرئيس سركيس وعلى وفائه لوطنه.

حضرت هذه التفاصيل في البال، والناس تائهة، ضائعة، وقلقة على مصير الجمهورية، في خضم التطورات، وسط هذه الأخبار السلبية الجاثمة على صدر المواطنين وعلى رؤوسهم أيضاً.

وحدق أحدهم بنائب بارز مشهود له بالعلم، ومعروف بحصافته واتصالاته وعلاقاته الوثيقة بالمراجع السياسية المتنوعة، وسأله: متى سيكون للبنان رئيس جديد للجمهورية؟

ورد: عفوكم، لستُ برّاجاً، ولا بصّاراً، وبصيرتي ليست أقوى من بصري، لكنني لا أتوقع اختيار رئيس جديد، قبل الثلث الأول من العام المقبل.

ذُهل السائلون وسألوه عن الأسباب.

ورد النائب الهادئ، الموثوق به من مختلف الجهات: نعم، لا أستطيع أن أتصور رئيساً في جمهورية ينأى عنها الاستحقاق، وهي تنأى بنفسها عن التطورات.

وقيل للنائب نفسه: وماذا عن اقتراب موعد الحوار بين تيار المستقبل وحزب الله؟

وأجاب: انه حوار الضرورة، لكنه قد لا ينجم عنه توافق الضرورة. صحيح ان الجمهورية بحاجة الى رئيس توافقي، الا ان للتوافق شروطاً وعقبات واتفاقاً على طبيعة التوافق.

وتابع: لا أعتقد أن التوافق السلبي سيكون بديلاً من التوافق الايجابي، والحوار المذكور لن يتطرق الى القضايا الخلافية، لكنه يبقى قاصراً عن ملامسة مسألة انتخاب رئيس جديد للجمهورية.

ولهذا الحوار سلبياته والايجابيات. والمستقبل لن يبحث عن رئيس للجمهورية مع حزب الله، وعنده مرشح هو الرئيس العماد ميشال عون. وهذه سلبية لا يستهان بها، كما انه يثير مخاوف الحلفاء في ١٤ آذار، وأبرزهم القوات اللبنانية وقائدها الدكتور سمير جعجع الذي أحجم رئيس تكتل التغيير عن استقباله، على الرغم من أنه طلب من الوزير وديع الخازن، القيام بهذه المهمة، وهو وزير سابق، وموثوق به من الاثنين. وأورد عماد مرمل أخيراً، أن الدكتور جعجع أوفد الى عون، بعد بروز خبر اللقاء المتوقع منتصف الشهر الحالي شخصاً وعرض عليه أفكاراً للتوافق، ومنها امكان تأييده للرئاسة الأولى، مقابل تأييد عون للدكتور جعجع بعد ست سنوات.

صحيح أن جنرال الرابية لم يكن سلبياً لكن ثمة منطقاً يقول إن الجمهورية يصعب أن تصبح مساحة للاقتسام بين الرابية ومعراب.

وهناك من يورد معلومات تقول إن ثلاثة أفكار معروضة للتداول في حال استبعاد الجنرال عن رئاسة الجمهورية وهي قابلة للحوار لاحقاً بين المستقبل وحزب الله.

الأولى ترشح الوزير السابق النائب سليمان فرنجيه للرئاسة الأولى، وهو سبق وتنازل عن ترشحه أو ترشيحه للعماد عون.

الثانية: التوجه نحو مرشح ثالث غير الجنرال والرئيس أمين الجميل والشيخ بطرس حرب والنائب روبير غانم، هو الوزير السابق جان عبيد، وهو الورقة المطوية في الحوار، لدى الرئيس نبيه بري وأركان ٨ و١٤ آذار.

ولا أحد ينكر دور الأستاذ وليد جنبلاط في المعركة، وهو صديق رئيس البرلمان، وعنده مرشح معلن هو النائب هنري حلو.

والفكرة الثالثة تتجه الى اختيار مرشح تقني هو حاكم مصرف لبنان الدكتور رياض سلامة، أو قائد الجيش العماد جان قهوجي، أو السفير اللبناني في الفاتيكان جورج خوري.

طبعاً، لا أحد يتجاهل دور الكرسي الرسولي في المعركة، ولكل اسم ظروفه والمبررات، وللوضع الاقتصادي مبرراته، ذلك أن حاكم مصرف لبنان يمثل دوراً أساسياًَ، في جعل لبنان يتجاوز مصاعبه الاقتصادية، ويتفادى المخاطر النقدية المحيطه به.

كما ان حل الأزمة الأمنية، وتجاوز عقدة النصرة وداعش يقويان من احتمالات رجحان كفة قائد الجيش في المعركة المستقبلية، سلباً أو ايجاباً.

ويقول الرئيس نبيه بري لزواره، إن لا انتخابات رئاسية قبل الاتفاق على قانون جديد للانتخابات النيابية.

ويرى أن اقتراح النائب علي بزي، عضو كتلته النيابية، يمهد الطريق الى اجراء انتخابات رئاسية، عندما تنضج الظروف السياسية، وتصبح أوضاع البلاد أكثر ملاءمة للوحدة الداخلية.

ويُنقل عن الرئيس بري قوله إن تيار المستقبل والقوات اللبنانية خصوصاً، وبعض النواب المستقلين في ١٤ آذار، يعارضون مشروع النائب علي بزي، لأنه يفقدهم النائب الماروني الثاني في بشري، لأن النسبية تمهد الطريق لفوز النائب السابق الدكتور جبران طوق، ويجعلهم يخسرون النائب أنطوان زهرا، لصالح الوزير جبران باسيل، بالاضافة الى مقاعد أخرى في الأقضية، خصوصاً في قضاء زحلة.

وهذا ما جعل الزميل عماد مرمل، يلوح باحتمال التفاهم بين الرئيس العماد عون، والدكتور جعجع، للتناوب على رئاسة الجمهورية، وهذا ما جعل الركنين الأساسيين، يفكران في طريقة ثالثة.

وفي هذا الأمر، برز الاقتراح للذهاب الى مرشح ثالث يعبد الطريق أمام فوز الأقوياء في المقاعد النيابية الأساسية، على الطريق الألمانية، لأن الدولة الفيدرالية في ألمانيا، تجعل امكانات الفوز والتفوق محصورة بالأقوياء لا بالضعفاء أو بالأحزاب.

ويقول مرجع سياسي، إن حزب الله تجاوب مع الرئيس نبيه بري، في دعوته الى الحوار بين الحزب والتيار، ايماناً منه بأن الصراع بين الأقوياء في الطائفة الشيعية، مشروع حرب يرفضها الاثنان، ولأن التضامن أهم بكثير من الانفراط أو الانفراد.

والحزب، لا يستطيع أن يرفض الحوار مع المستقبل، لكنه لا يستطيع أيضاً القبول بالانحراف عن وحدة المواقف، ازاء الامعان في انتهاج الخلاف السياسي على أنقاض الوحدة الداخلية.

والمراقبون يرون أن التنابذ بين العناصر الواحدة، مثل عدم التوافق في الارادة الواحدة، على أساس تفادي الانهزام، أو عدم الرؤية لما ينبغي للبلد، أن يمر فيه، وهو يراهن على الوحدة لا على الانحراف عن الوحدة الوطنية.

كان لبنان قبل أيام، يعاني من هيمنة النصرة وداعش على البلاد. وهذا لم يكن ميسوراً، لا قبل الاستقلال ولا بعده.

والخطأ الفادح أن الشيخ بشارة الخوري ظل رجل المرحلة في النصف الثاني من الأربعينات.

كان الكبار يختلفون، لكن لخلافاتهم حدوداً، لا يتخطاها أحد، حفاظاً على الحرية، وعلى الاحترام والتقدير.

وصل الخلاف بين الرئيس بشارة الخوري والرئيس كميل شمعون الى حدود الذروة.

ويقول الرئيس الاستقلالي الأول: إنني لو أردت معاكسة كميل شمعون، لما تركته يفتح معركة الرئاسة الأولى، ولما أدخلته الحكومة، ولما جعلت المرشحين في قائمة جبل لبنان ينتظرون عودته من لندن، قبل أن يبدأ المرشحون في تشكيل قائمتهم.

لكنه، يأخذ عليه أنه قابل استعداده بالتكبر على رفاقه، لا بالمرونة والليونة.

الا ان شمعون كان ضد شقيقه السلطان سليم الخوري، وكل من يؤيده.

التجديد والتنفير

وانكشفت المعركة: الشيخ بشارة من دون اعلان، يخطط لولاية دستورية ثانية، وكميل شمعون يخطط، دون اعلان أيضا، لترشيح نفسه للرئاسة عام ١٩٤٩، ولا بد لهذا النزاع ان يكون معتمدا على مقومات انتخابية وسياسية. ولذلك مارس شمعون لعبة ذكية بتأليف قائمة انتخابية مع كمال جنبلاط تقصي الشيخ سليم الخوري، على أساس انه رأس الحربة في معركة التجديد. وتختار دستوريين مقرّبين من الشيخ بشارة، وهم مجيد ارسلان، وخليل أبو جودة، والياس الخوري، وأمين نخلة، ووديع نعيم، وشهيد الخوري، وأراد كميل شمعون بذلك أن ينفي عن نفسه تهمة الطموح للرئاسة، وان يترك شبهات بأن الشيخ بشارة طامع بالتجديد!

في كل الأحوال حصل تشطيب كبير في جبل لبنان، وفاز من اللائحة المستقلة الشيخ سليم الخوري، وبهيج تقي الدين.

كان كميل شمعون يريد تغيير محافظ جبل لبنان حسين الجسر، على أساس انه يمالئ الدستوريين، فيما كان الرجل متمسكا بتراث والده الشيخ محمد الجسر، رئيس مجلس النواب الراحل، وكان صديقا للرئيس اميل اده الذي رشحه لرئاسة الجمهورية. وكان المطلوب تغيير المحافظ وقائمقام الشوف والعقيد فيليب أبو نادر وقائمقام كسروان وآمر ضابطة الدامور وآمر ضابطة فرن الشباك. فرفض الشيخ بشارة الاساءة الى المحافظ حسين الجسر، واستجاب في تنحية باقي الأسماء، تدليلاً على تعاونه مع كميل وكمال. وهنا يقول الشيخ بشارة في مذكراته: ومن التدابير التي أضرّت بأخي سليم وبرفقائه أني نصحت للكثيرين من المرشحين الأقوياء بعدم الانضمام الى القائمة التي ألفها ضد القائمة الحكومية فقبلوا نصحي. وكان رياض الصلح وكميل شمعون يقولان للملأ: إن الرئيس أعطانا في هذه الفترة أكبر أمثولة في التجرد وكان مثال التضحية.

يحار المرء هنا في الاجابة عن السؤال: هل كان الشيخ بشارة في انتخابات ١٩٤٧، التي ذهبت مثلا في التزوير، ظالماً أم مظلوماً؟

اقرأوه هنا يقول:

وفي بيروت فازت القائمة بسهولة كانت برئاسة سامي الصلح، غير ان بعض موظفي أقلام الاقتراع أرادوا تبييض الوجه فشطبوا أسماء كثيرة من الناخبين الغائبين ووضعوا في صناديق الاقتراع عددا يزيد على الناخبين الحقيقيين لخدمة المرشحين المؤتلفين. فأحدث عملهم غير القانوني ضجّة كنّا في غنى عنها، وان هي لا تغيّر في نتيجة الاقتراع.

ويضيف الشيخ بشارة:

ولا يخفى ان كثيرين من الموظفين تتلمذوا مع مستشاري عهد الانتداب. ولعلهم لم ينسوا اندفاع هؤلاء ضد المعارضة في انتخابات ١٩٤٣ فأخذوا على أنفسهم ان يساعدوا القوائم الموالية، حتى بتلزيم ما لا يلزم من الأصوات فصدق فيهم القول: عنّت وكتّرت!

وهكذا اعترف الشيخ بشارة بحصول التزوير في بيروت وان لم يكن – كما قال – يؤثر على النتائج.

ووجدها المرشحون السيّئو الحظ، وهم الدكتور صبحي المحمصاني وجورج تابت وحسين سجعان وجوزف شادر ورامز خليل سركيس صاحب جريدة لسان الحال، فرصة للطعن في تلك الانتخابات، وطلبوا موعداً من الشيخ بشارة ليخبروه بأن بعض مكاتب الاقتراع أغلقت في وجوه ناخبيهم، فما كان من الشيخ بشارة إلاّ أن استدعى وزير الداخلية صبري حمادة وطلب اليه ان يتصرّف، فقام وزير الداخلية بجولة على الأقلام موضوع الاعتراض، وعاد يقول ان كل شيء برنجي وأن الشكوى لم تكن في محلّها!

ولكن المرشحين المذكورين أعلنوا انسحابهم قبل اعلان النتائج، وكأنهم يطعنون في تلك الانتخابات سلفاً.

إلاّ أن تهمة التزوير أخذت شكل كرة الثلج التي تكبر وتكبر، حتى تصبح تلّة أو جبلاً. واستفاد كميل شمعون من هذا المناخ ليطلب إلغاء محاضر الفرز في أقلام معدودة في جبل لبنان، على أساس ان رئيس القلم كان يقرأ اسماً مكان اسم، وكان المكلف بالاشراف على الفرز أمين عام رئاسة الوزارة ناظم عكاري، فسأله رياض الصلح عما يمكن عمله بالنسبة الى طلب كميل شمعون فقال عكاري:

– أمامنا يا رياض بك واحد من أمرين: إما إلغاء محاضر أقلام الاقتراع في جبل لبنان، واعادة الانتخابات، وإما اعلان نتائج الفرز كما جمعت، على ان تحوّل الاعتراضات الى لجنة الطعون.

واختير الحل الثاني.

ولكن الشبهة استوطنت تلك الانتخابات وانتهى الأمر…

فكيف اذا كانت هذه الشبهة قد وصلت الى الكاتدرائية المارونية وراعي الأبرشية المارونية المطران اغناطيوس مبارك؟ كان الشيخ بشارة يتّهم المطران مبارك ابن بلدته رشميا، بأنه كتلوي عنيد، وانه كان يسخّر كل شيء ترضية للرئيس اميل اده. وهنا يقول الشيخ بشارة: فأراد المعارضون استغلاله الى النهاية، وقرروا ان يجتمعوا في الصرح الذي أخرجه أي مدرسة الحكمة في الأشرفية وهو وليّه، عن مستوى المعاهد الثقافية ليجعلوا منه مسرحا لغايات متقلّبة.

فماذا حصل بعد ذلك؟!

مدرسة الحكمة في الأشرفية ذات قلنسوة مارونية، بمعنى ان رئيسها دائما هو راعي الأبرشية المارونية في بيروت، ومع ذلك فخصومة السلطة جمعت فيها رموز كل الطوائف، والقصد من التجمع المعارض هو تعطيل الدورة الثانية للانتخابات، بعدما اكتشفت المعارضة في الدورة الأولى رائحة التزوير، والتلاعب بالصناديق. كما هناك اميل اده، وعبدالحميد كرامي، وكمال جنبلاط، ومندوبون عن حزب الكتائب، وقياديون لا يجمعهم – على حدّ تعبير الشيخ بشارة – جامع. وألقيت خطب نارية ضد السلطة، وكانت هناك خطة للخروج من مدرسة الحكمة الى الشارع في تظاهرة، وصولا الى الجميزة عند آخر نزلة المدرسة، ومنها الى ساحة الشهداء. وغاب عن ذلك الاجتماع العاصف الوزير كميل شمعون.

ويقول الزميل وليد عوض في كتابه: بشارة الخوري فارس الموارنة العرب ان الصحافة مثلت دوراً أساسياً في المعركة التي سبقت انتخابات ١٩٤٧.

ويضيف:

ترشح الصحافي حنا غصن صاحب الديار في الكورة، وحلّ مكانه في آخر لحظة، وبرضا الشيخ بشارة ورياض الصلح، المليونير ميشال مفرّج مع قرب حنا غصن من رياض، كذلك ترشح صاحب الصيّاد سعيد فريحه عن المقعد الأرثوذكسي في الجنوب بدعم من رياض الصلح الذي كان يعطف على ترشيح سعيد.

وعن سعيد فريحه قال الشيخ بشارة:

وكنت راغباً فيه كما كنت راغباً بزميله حنا غصن، ولكن الضرورة حكمت خلافاً لرغبتي ورغبة رياض.

الهوية المارونية

ويقول المحامي هنري صفير ان الصراحة كالحقيقة، مهما كانت قاسية، يجب ان تقال، لذلك، فان الحديث عن الأخطاء المارونية، ينبغي ان تقرر الهوية المارونية من جذورها.

في كل ما سبق، نفهم لبنان واقعاً تاريخياً وضرورة مستقبلية وتجربة سياسية انسانية، متقدمة تارة ومبعثرة طوراً، لكنها دائما نموذج فريد من نوعه في الشرق، ونريده وطن الاختبارات الناجحة لتوالف الحضارات.

نفهمه قائماً على ثوابت أبرزها:

١ – ان كل اعتداء على الحرية في لبنان، ينقلب على المعتدي، سواء أكان من داخل لبنان، أم من خارجه.

٢ – إن كل لعبة سياسية، أو اقتصادية، أو استراتيجية، تتخذ من لبنان الحرّ، مسرحا لها لتأمين مصالح نظام ما أو حمايته، أو لتثبيت عرش، أو لتسويق عقائد، يخسر فيها اللاعب كل رصيده وربما رأسه.

٣ – ان كل انطواء على الذات في الداخل وكل انتماء الى الخارج هلى حساب الداخل، يولّد الاقتتال والفوضى والدمار.

وبالرغم من أننا من دعاة فصل الدين عن السياسة، نجد أن للكنيسة المارونية دوراً وطنيا، لأنها الكنيسة الوحيدة المتجسدة في وطن. والدور للكنيسة هو دور مترفّع عن سياسات السياسيين، وهو دور المراقب الواعي والمحافظ الرادع على الثوابت والمبادئ الأساسية الوطنية لاستمرار الكيان وتقدم الوطن.

وهكذا تصبح الكنيسة الحجر الأساس الراسخ، حتى اذا انهار كل شيء في لبنان كوطن وبقيت هي في الأديرة بروحانيتها ونبرتها الصادقة وتقويم اعوجاج أبنائها، حفظت الفرصة التاريخية في اعادة لبنان الى الوجود والتألق وبنائه على حجر الأساس الصامد.

على المسؤولين السياسيين الموارنة، قياديين ورموزا، الذين هم جزء من المأساة اللبنانية، الذين عرفوا في حياتهم السياسية ماذا يريدونهم، لا ماذا يريد الوطن منهم، أن يقدموا على المبادرات الحرّة الجريئة، ويسلكوا الطريق التي ترضي الضمير الواعي والطموح الوطني لا الطريق التي فرضت عليهم في الطائف حيث زيّنتها لهم المغانم والمكاسب وشهوة الحكم والتحكّم.

وعلى الفاعليات الشعبية، ان تترفّع عن الاستئثار، وتتفرّغ للعمل المشترك البنّاء، وتقدّم المشاركة المارونية المخلصة في العيش والمسلكية نموذجا للعيش المشترك والمشاركة اللبنانية الشاملة. وعلى ضمير كل ماروني أن يكون الرقيب الواعي للأداء، فلا يتنازل لأي سبب عن حقّه في المحاسبة والمحاكمة، بل يحتكم الى أخلاقية المسلك الماروني الأصيل في تمييزه بين أصحاب المواقف السليمة والمواقف الخاطئة في المسار الوطني.

هل الموارنة مع إلغاء الطائفية السياسية، انما متى؟ وفي أي وقت، وأي ظرف وأي مناخ.

يجيب المفكر:

نقول هذا لأنه لو طالب مسؤول مسيحي قبل سنوات عدّة بإلغاء الطائفية السياسية فقط لاعتقد المسلمون بأن الالغاء لا يعني سوى ارادة هذا المسؤول ان يكون رئيس الحكومة مسيحيا بدلاً من مسلم. ومطالبة المسلمين بإلغاء الطائفية السياسية في الظرف الراهن، دون ازالة ما يسجن المواطن في طائفته، ودون زوال كل الفوارق وقبل تحديد أطر ممارسة الديمقراطية الشفافة، تبدو عملاً طائفياً بحدّ ذاتها.

من هنا لا يجوز أن يفوّت المسؤولون، حكومة وأحزابا وقيادات، أمراً أساسياً جوهريا في شرعية قرار إلغاء الطائفية السياسية، هو أنهم يحاولون فرض الخيار في ظروف يصعب فيها الاختيار.

واذا ما دأب العابثون، ونجحوا في فرض القرار الصعب، فسوف يهيئون لنا وللمتآمرين علينا غداً حابلاً بالمتفجرات والانفجارات. والفرض في الظروف السائدة، وبالشكل المحدود الهزيل، لإلغاء الطائفية السياسية بدفع فئة كبيرة من اللبنانيين الى الخيار الحرية والعيش المشترك، كما عبّر عن ذلك غبطة البطريرك الماروني، وهذا الفرض يكون تهديداً خطيراً للكيان اللبناني برمّته. ولن يكون إلاّ طائفية جديدة لالغاء طائفية قديمة.

ويقول المحامي صفير، انه يؤمن بلبنان من دون إشراك أو مخاتلة، وطناً للانسان والحريات، وطناً مستقلاً، فاعلاً في المشرق، أياً كانوا والى أية جهة انتموا، إذ بموتهم شهدوا لقيامة العدالة والحرية والمساواة.

ويضيف: هنري صفير: أؤمن بلبنان القائم على ميثاق – هدف يؤلف حلاً حقيقيا، لا على مواثيق مستوردة ناتجة عن مساومات وتنازلات ظرفية واغراءات.

أؤمن بلبنان الذي في عرش حكامه شوك يخزّ الضمائر الغافلة.

أؤمن، في غمرة البغضاء، بأن قبساً من نور يفيض على الانسان في لبنان فيحرّره من المادية والتعصّب ويغسل قلبه من رواسب الأحقاد والمحن، ويوقظه من حال الاغتراب التاريخي والضياع الذاتي.

أؤمن بآلام المطهر لنفوس الموارنة واللبنانيين أجمعين، وبأن التجارب والمحن مفتاح القلوب على المحبة وغرسة القيم الانسانية الصحيحة في ضمير المجتمع.

أؤمن بقيامة لبنان، بانسانه المنتفض ومجتمعه المحرّر وجمهوريته الجديدة لنصل الى الصراط المستقيم ونجاهد معاً الجهاد الأعلى.