يمكن لإبراهيم كنعان وملحم رياشي أن يبتسما في عبّيهما للإنجاز الذي حققاه، بعدما تمكنا من تبادل ورقتين تلخصان مقاربتَي فريقيهما من قضايا أساسية مطروحة للتشاور في ما بينهما… في خطوة هي الأولى من نوعها بين الحزبين منذ أكثر من ثلاثين سنة من الخصومة، التي تحولت في إحدى محطاتها إلى عداوة دم.
يمكنهما أن يبنيا الكثير من القصور لاستضافة أحلام يقظة تزور معظم المسيحيين في نهاراتهم، حين تسقط جدران برلين العتيقة ويصبح من المعقول، لا بل من الواجب، التقاء «رجليْهما» عند أرضية مشتركة تحمي مصالحهم السايبة من أفواه الغير.
كل ذلك يبقى متاحاً، إلى أن يلتقي ميشال عون وسمير جعجع، ومن ثم كلام آخر… حتى ذلك الوقت، سيجلس الرجلان مجدداً لتجديد مشاوراتهما الماراتونية، في محاولة منهما لدمج الورقتين اللتين تم تبادلهما، في ورقة واحدة تفلش مكاناً للمساحة المشتركة بينهما، على أن تحيل المختلف عليه إلى الحياد، ولو المؤقت.
عملياً، أنهى كنعان ورياشي ورقتيهما اللتين تلخصان مقاربة الفريقين من القضايا السيادية، وتلك المتصلة بمستقبل المسيحيين، وتحديداً المناصفة وكيفية ترجمتها، كما من القضايا السياسية الكبرى كسلاح «حزب الله» وتداعيات الأزمة السورية، من دون أن يعني ذلك أن «بركة التوافق» ستحل على كل النقاط الواردة في الورقتين.
بمعنى آخر، حاول الرجلان، بعد أكثر من عشر جلسات جمعتهما في ضيافة الجنرال في الرابية وتحت ناظريه، جدولة مسببات القضايا المثارة والمخاطر المحدقة باللبنانيين عموماً والمسيحيين خصوصاً، للانطلاق نحو نقاط مشتركة في الحلول المنشودة.
حتى الآن، لم يتقدم أي منهما خطوة نحو الآخر، كونهما اكتفيا بإفراغ ما في مسجّلات مواقفهما على الورق، مع أن فكرة الحوار تعد تقدماً بحد ذاته، ترك ارتياحاً لدى المسيحيين، لا سيما هؤلاء غير المقولبين في قالب حزبي. ولهذا سيكون التحدي الأبرز أمامهما هو تنقيح الوثيقتين للخروج بخلاصة مشتركة تسلط الضوء على ما يجمع بينهما ولا يفرق.
وهنا الجوهر، لأنّ كل ما سبقه هو مجرد مقبلات للطبق الرئيس..
ولهذا ينتظر اللقاء بين «جنرال الرابية» و «حكيم معراب» انتهاء الجولة الثانية من المشاورات لتكون المادة موضوعة أمام الرجلين، وخلاصة جلستهما التاريخية، وذلك بهدف تحصين القمة الثنائية من الفشل الحتمي، فتكون الورقة المشتركة بمثابة الحدّ الأدنى من النتائج التي يمكن تحقيقها إذا فشلت الجلسة من تحقيق أي خرق في مكان آخر.
من الواضح أنّ ما يقوم به «التيار الوطني الحر» و «القوات» سيصعب العودة عنه بسهولة، بعدما كبّرا حجارة هذه المهمة ورفعا من منسوب الآمال لدى جمهوريهما. إذ قال عون صراحة، في آخر إطلالاته التلفزيونية، إنّه لن يعود في علاقته مع «القوات» إلى الوراء، فلاقاه جعجع بالإشارة إلى أنّه حان الوقت ليرتاح المسيحيون.
طبعاً، ثمة نقاط يمكنهما أن يصنفاها في خانة المشترك التي ستقلل من مسافات التباعد بينهما، حيث يبدو أنّ «القوات» قررت أن تساير «التيار الوطني الحر» في سعيه إلى تحقيق المناصفة فعلا لا قولاً، ولو حتى في المبدأ، على اعتبار أن الغوص في التفاصيل سيستدعي الشياطين.. مع أنّ «القوات» ترفض الغوص في هذا الملف إذا كان استفزازياً أو من باب فرضه بالقوة.
في حين أن ملامسة قضايا أخرى تتصل مثلاً بسلاح «حزب الله» أو بالأزمة السورية، ستفتح باب الاجتهادات المتباينة بينهما، وقد تسمح لهما بإغلاق نوافذ الحوار، في أي لحظة.. كخط للرجعة إذا تعثّرت المشاورات، وهو احتمال كبير.
فالاستحقاق الرئاسي لا يزال عثرة ضخمة على طريق المشاورات الثنائية. ميشال عون مرشح إلى أن يقول كلاماً آخر، وهو سيفاوض ضيفه على هذا الأساس. وإذا ما قرر الرجلان أن ينطلقا في محادثاتهما من هذا البند، فقد يقفلا الدفتر.. قبل أن يفتحاه.