مع بدء شهر الصوم، لم يصم السياسيون عن الكلام، تيمناً بهذا الشهر الفضيل، بل امتلأت الساحة الداخلية بالكلام المباح الذي يتصدى للمشاكل التي يُعاني منها اللبنانيون قاطبة، جرّاء الشلل الحاصل في كل مؤسسات الدولة، من رئاسة الجمهورية إلى المجلس النيابي، إلى الحكومة التي شكلت لتكون حكومة إنتقالية لا يتعدى بقاؤه على رأس السلطة التنفيذية بضعة شهور، وبالكلام غير المباح هزّ كل التحالفات القائمة منذ سنين ووضع البلاد أمام متغيرات تكاد تكون جذرية، كالكلام الذي صدر عن رئيس اللقاء الوطني النائب وليد جنبلاط عندما تحدث عن نتائج الانتخابات البلدية والاختيارية في الشمال وفي العاصمة الثانية طرابلس بالذات، أو الكلام الذي أطلقه رئيس القوات اللبنانية الدكتور سمير جعجع في مقابلته التلفزيونية قبل أسبوع والتي وجه فيه رسائل مشفرة وأخرى واضحة إلى حليفه السابق سعد الحريري والتي اقتضت منه الرد الفوري وإلى بقية حلفائه في قوى الرابع عشر من آذار لحزب القوات اللبنانية والمسيحيين المستقلين والتي اقتضت رداً قاسياً من وزير الاتصالات بطرس حرب، لا يزال أصداؤه تتردد في الوسط اللبناني والوسط المسيحي على وجه الخصوص إلى حديث وزير الداخلية نهاد المشنوق على الشاشة نفسها والذي أثار عاصفة من الردود المحلية والعربية والأجنبية والذي لا تزال أصداؤه تتفاعل على كل المستويات، لا سيما في الشق الذي يتناول فيه علاقة المملكة برئيس تيّار المستقبل وعلاقتها بالاستحقاق الرئاسي في لبنان وما قصده الوزير المستقبلي من تلك المواقف التي أطلقها وهل هي دفاعاً عن الرئيس الحريري أم هي ضربة موجهة إليه وهل هي دفاعاً عن المملكة العربية السعودية التي تربطه بها علاقة قديمة وقوية أم هي هجوم غير متوقع عليها وهل هي ترويج لمرشح رئيس تيّار المستقبل، الوزير السابق سليمان فرنجية أم هي دفن لهذه المبادرة ورفع أسهم مرشّح حزب الله المنافس له العماد ميشال عون، والمفارقة في المواقف التي أطلقها وزير الداخلية الرد السريع الذي جاء من الوزير السابق جنبلاط والذي شكل تحولاً في مواقفه المؤيدة لترشيح الوزير فرنجية إلى الاقتراب من حزب الله ومرشحه العماد عون الذي يراهن على حصول مثل هذه التحولات منذ أن طرح نفسه مرشحاً توافقياً لرئاسة الجمهورية والتزم به حزب الله وتعمد تعطيل الانتخابات الرئاسية مُـدّة تزيد عن السنتين لإعتقاد بأن التحولات التي يشهدها الإقليم والممتدة من اليمن إلى العراق ثم سوريا ستكون في نهاية الأمر لمصلحة انتخابه رئيساً لجمهورية لبنان.
أما المفارقة الأساسية التي توقف عندها اللبنانيون فهي تراجع كل المبادرات المتعلقة باستعجال انتخاب رئيس للجمهورية من مبادرة الرئيس سعد الحريري التي غابت عن السمع بعد المواقف التي أطلقها الوزير المشنوق الى مبادرة الرئيس نبيه برّي المبنية على الانتخابات النيابية قبل الانتخابات الرئاسية وحل عقدة النصاب لجلسة الانتخاب وكأن هناك وحي نزل عليه لسحب هذه المبادرة من التداول والعودة بالتالي إلى المربع الأول، وربما إلى نقطة الصفر في ما يتعلق بهذا الاستحقاق الذي وضع لبنان كلّه على المحك، فضلاً من غياب التحرّك الدولي بنسبة كبيرة بعد ما كان ناشطاً على كل الجبهات الداخلية لإنجاز هذا الاستحقاق المصيري لإعادة وضع لبنان على السكة الصحيحة التي تؤدي إلى اخراجه من محنته وتحييده عن الصراعات التي تعيشها منطقة الشرق الأوسط.
هذه الصورة السوداوية عن الوضع الداخلي مع بدء شهر الصيام، تجاوزت كل التوقعات والتقديرات وبات حديث الشارع يدور حول عبارة واحدة، لبنان إلى أين على حدّ تعبير وليد جنبلاط صاحب «الأفشات» اللاذعة على التويتر.