يدلّ الهلع الدولي العام من فوز دونالد ترامب بمنصب الرئاسة الأميركية، على مدى حساسية الدول والمجتمعات المتطوّرة والمتقدمة كما النامية سواء بسواء، إزاء أي تهديد (إضافي) يأتي من تحكّم مهووس بمفاتيح الاستقرار والدمار في أكبر دولة عرفها التاريخ.
وتلك حساسية لا تعكس ترفاً يخشى أصحابه عليه، بقدر ما تعكس مدى هشاشة مفهوم الاستقرار الذي طغى غداة انتهاء الحرب الباردة، ومدى القلق من تفلّته ونكوصه الى مستويات أكثر خطورة من تلك التي سادت إبّان تلك الحرب.
أي كأن ترامب جاء ليتوّج لحظة دولية مأزومة أصلاً، ولا تحتمل المزيد وخصوصاً في أوروبا والشرق الأوسط!
في أوروبا نتيجة «عودة الروح» الى الانغلاق والانضباب الى الذات والداخل بدل الاستمرار في انفلاش مكلف اقتصادياً واجتماعياً وغير مجدٍ سياسياً أو ثقافياً! ثم ظهور محنة اللاجئين الأكبر والأخطر منذ الحرب العالمية الثانية، ثم عودة القطب الروسي الى منحى استنفاري واسع النطاق ومدرع بأسلحة دمار شامل..
وفي المنطقة العربية وجوارها الآسيوي نتيجة تناسل الحروب والكوارث، بعد طمر وطمس احتمالات التسوية الكبرى التي دغدغت أحلامها الجميع، على مدى سنوات التسعينيات من القرن الماضي.
والمفارقة أن الهلع من فوز ترامب ضرب في أسواق المال والبورصات في مختلف أنحاء العالم مثلما ضرب في المؤسسات السياسية والسيادية الحاكمة، ومراكز صنع القرار في أوروبا أكثر من غيرها، في حين بقيت الصين على «هدوئها» بما يليق بدولة عُظمى دائنة للولايات المتحدة بمبالغ تقارب الأربعة آلاف مليار دولار أميركي!
والجانب الداعي لافتراض «المفارقة» هو أن خطاب ترامب بالمعنى السياسي الدولي، هو خطاب تصالحي مع الروس وليس عدائياً! وذلك ما يجعل القلق الأوروبي طافياً وطافحاً خشية «تخاذل» الرئيس الجمهوري أمام جموح نظيره الروسي، واستمرار هذا في لعبته الإحيائية التي لا تعني شيئاً، سوى الذهاب (على الطريقة الهتلرية) الى «تجميع شتات» ذوي الأصول الروسية في دول الاتحاد السوفياتي السابق! مثلما فعلَ مع شبه جزيرة القرم التي تذكر بالأمس، أنها كانت جزءاً من روسيا قبل منحها الى أوكرانيا في أربعينيات القرن الماضي! وإن نسبة المتحدّرين فيها من أصول روسية تُقارب العشرين في المئة من سكانها!
ولا تحتاج أسباب التوجّس والقلق الى إضافات بالنسبة الى شعوب المنطقة العربية والإسلامية طالما أنّ ترامب يعُد بإنهاء مرحلة التردّد التي طبعت أداء سلفه الثرثار أوباما، لكن باتجاه التسليم للروس بمنطقهم القائل بأنّ كل من يقاتل بشار الأسد هو إرهابي.. لا أكثر ولا أقل!
.. ومع ذلك، فإن تبسيط اللغة في مقاربة أوضاع شديدة التعقيد، أمر غير سوي وغير منطقي. ولهذا فإن كثيرين ينتظرون أداء ترامب بعد أن شبعوا من أقواله… ومثلما يعرف الجميع، وأهل الحصافة والنباهة خصوصاً، أن «روما من فوق غير روما من تحت» وأمور هذه المنطقة وشؤونها أعقد بكثير من الشعارات الهوجاء في الحملات الانتخابية!