مع اقتراب حزمة العقوبات الأميركية الجديدة في تشرين الثاني المقبل، تزداد الضغوط ضدّ اللبنانيين في أميركا الجنوبية. التهمة نفسها تتكرر: الإرهاب ودعم حزب الله. تحت هذا العنوان، «تُفَبَرك» الملفات، وتُهدّد مصالح جالية بأكملها
في 16 آب الماضي، أطلّ المسؤول في «مركز الدفاع عن الديمقراطية» (يتلقى المركز أموالاً من منظمة المؤتمر اليهودي العالمي) إيمانويل أوتولينغي، في مقابلةٍ على تلفزيون الباراغواي، مُحرّضاً ضدّ اللبنانيين في منطقة «المُثلث الحدودي» (النقطة التي تجمع حدود البرازيل والأرجنتين والباراغواي). تحدّث عن المدارس اللبنانية في أميركا الجنوبية، والإداريين والأساتذة العاملين فيها، مُشيراً إلى أنّهم مُتصلّون بحزب الله. شَمل في كلامه الكشّافة في «المُثلث الحدودي»، زاعماً أنّ الأولاد الأعضاء فيها مُرتبطون بكشافة حزب الله، وبأنّهم يتلقّون تنشئة عقائدية، تمهيداً لتأسيسهم «جيش حزب الله». لم يستثن أوتولينغي من كلامه المشايخ والمساجد والإعلام. كلّ هؤلاء، بحسب المتخرّج في الجامعة العبرية في القدس، لهم علاقة بحزب الله، «التنظيم الإرهابي»، كما تُصنّفه الولايات المتحدة الأميركية. «اتهام» لبيئة وجالية بأكملها، بهدف تشديد الخناق عليها، في إطار الحرب الأميركية، المُستمرة منذ سنوات، ضدّ اللبنانيين في بلدان أميركا الجنوبية.
في 31 آب، أي بعد قرابة أسبوعين على مقابلة أوتولينغي، برز في وسائل الإعلام من جديد اسم التاجر اللبناني أسعد بركات (اتُّهم بالتهرّب الضريبي، وحُكم عليه بالسجن ستّ سنوات، قبل أن يُدرج على لائحة العقوبات الأميركية في الـ2004، وتصفه وزارة الخزانة الأميركية بأنّه الذراع اليُمنى للأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله). أُعيد فتح «ملف» الرجل، وصدرت بحقّه مُذكرة توقيف في الباراغواي، بالتزامن مع طلب المُدّعية العامة في الباراغواي مُلاحقته دولياً. يُتّهم بركات بأنّه جدّد جواز السفر الذي يحمله، على الرغم من «سحب جنسية الباراغواي منه عام 2003، بموجب قرار قضائي». بصرف النظر أنّ «جريمة» بركات لا تُحتّم إجراءات عقابية كهذه، كان لافتاً للانتباه أنّ تجديد جواز السفر حصل في مركز الشرطة في الباراغواي، بتاريخ 10 نيسان الماضي، وليس مؤخراً. كما أنّها لم تكن المرّة الأولى التي يُجدّد فيها جواز سفره أو الحصول على أوراق رسمية، فهو حصل في الـ2010 على بطاقة هوية جديدة. أما الأهم، فهو استحصال بركات في 3 أيلول الحالي على سجل عدلي «نظيف». ونال في 1 تشرين الثاني الـ2016، شهادة الجنسية (حصلت «الأخبار» على نسخةٍ منها) موقّعة من المحكمة العليا، وتدحض ما يُقال عن سحبٍ الجنسية منه، ويتوافق ذلك مع ما نُشر على موقع «abc» في الباراغواي، عن أنّ ما حصل مع بركات في الـ2013 هو «إيقاف مؤقت» للجنسية، وقد استعادها بعد خروجه من السجن، نظراً إلى توافر كلّ شروط احتفاظه بها.
أدّى هذا التخبّط إلى تقاذف المسؤوليات بين الشرطة التي تؤكد أنّها لم تتبلغ سحب الجنسية من بركات، والمدّعية العامة التي تُصرّ على العكس، «وقد استلحقت المحكمة العليا نفسها وأصدرت قراراً بإلغاء الجنسية في 28 آب 2018»، يقول مُطّلعون على الملف. أما لماذا احتاجت السلطات في الباراغواي إلى أربعة أشهر حتّى تنتبه لهذا «الخرق الأمني»؟ لأنّ ما يحصل مع أسعد بركات «جزءٌ من حملة سياسية ضدّ اللبنانيين في منطقة المُثلث الحدودي»، يقول مُطلعون على الملف. والدليل أنّه كان هناك «توجيه» وتركيز على وصف بركات بأنّه «إرهابي»، و«يُساعد في تمويل حزب الله». برز ذلك في تغطية وسائل الإعلام في الباراغواي والأرجنتين للخبر.
يُحكى في «المُثلث الحدودي» عن وجود لائحة للبنانيين ستسحب الجنسية منهم، في المرحلة المقبلة
ليست المرّة الأولى التي يكون فيها بركات في «عين العاصفة». دورياً، تُنشر عنه مقالات بوصفه «زعيم عصابة بركات» الناشطة في الأعمال غير الشرعية في «المُثلث الحدودي». حالياً، توجه بركات إلى المدعي العام في الباراغواي، عبر توكيلٍ لمحاميه، يُخبر أنّه مُستعد لأن يمثل أمام القضاء، شرط الحصول على ضمانات بأن لا يتحول الموضوع إلى ملف سياسي. وقد وضع جنسيته تحت تصرّف السلطات في الباراغواي، «بمعنى أنّه تخلّى عنها، مقابل تقدّمه بطلب لجوء إلى البرازيل». وتقول المصادر أنّ بركات تواصل مع البعثة اللبنانية لدى البرازيل، فكان الجواب «لا يُمكن للبعثة أن تتحرك من دون قرار سياسي من لبنان».
لم يمرّ وقت طويل، حتّى أصبح لبركات «زميلٌ» في سحب الجنسية. قبل يومين، طلبت المحكمة العليا في الباراغواي سحب الجنسية من المواطن صبحي فياض (سُجن سابقاً ستّ سنوات، بتهمة التهرّب الضريبي، وأُدرج على لائحة العقوبات الأميركية). لا يوجد تهمة واضحة بحقّ فياض، سوى أنّه «داعم لحزب الله». وتُشير المصادر إلى ما «يُحكى في منطقة المُثلث الحدودي، عن وجود لائحة للبنانيين سيتم سحب الجنسية منهم، في المرحلة المقبلة». يُثير هذا الأمر قلق العائلات وأصحاب المؤسسات، من أن يؤثر ذلك على مصالحهم. ويُعزّز الاقتناع بأنّ «القرار قد اتُّخذ بتسعير الضغوط ضدّ الجالية، ودفع السلطات في الباراغواي والأرجنتين والبرازيل للتماهي أكثر مع السياسة الأميركية ــــ الصهيونية».