على وقع انطلاق مرحلة جديدة من التصعيد من جانب “التيار الوطني الحر” على خلفية المطالبة بتعيين العميد شامل روكز قائدا للجيش ترتسم صورة ازمة مفتوحة على احتمالات كبيرة يعتبرها البعض تهويلا مضخما فيما لا يخفف آخرون منها وفق الآتي:
– ان حكومة الرئيس تمام سلام قد لا تسقط على الارجح نتيجة استمرار مصالح الجميع بما فيها مصلحة التيار العوني و”حزب الله” التي تتأمن من خلالها. وفي الوقت الذي يشكل هذا الامر اطمئناناً من حيث المبدأ للفريق السياسي الخصم نتيجة ضيق الهامش بمعنى عدم تطيير الحكومة، فانها في المقابل قد تغدو من دون فاعلية ومن دون اي قدرة على العمل على رغم ان قدرتها محدودة اصلا في الوقت الذي سيتابع جميع الافرقاء امورهم. الا انها ستقف عند أبواب ازمة انطلاقاً من ان طرح موضوع التعيينات الامنية على جدول اعمال المجلس ولو ان الباب لا يزال مفتوحا لذلك وهو ما سيحصل في وقت من الاوقات قبيل حلول موعد التمديد لمدير قوى الامن الداخلي اللواء ابرهيم بصبوص في مطلع حزيران المقبل ومن غير المرجح ان يؤتي عرض اسماء على المجلس لتعيين قائد جديد للجيش نتيجة، انطلاقا من عدم استعداد فريق المستقبل لتسليف العماد ميشال عون منصب قيادة الجيش في الوقت الراهن، واستباقا لحل ازمة الشغور في منصب الرئاسة الاولى خشية ان يكون المطلب الثاني للجنرال هو انتخابه رئيسا وفق معيار التعطيل والضغط نفسه.
– ان العماد عون رمى هذا التحدي في وجه حلفائه وتحديدا “حزب الله” مقدار ما رماه في وجه الفريق السياسي الآخر من اجل الحصول على دعمه في مطالبته في تعيين روكز قائدا للجيش. فالحزب الذي لمس في أزمة رفع السقف ضد المملكة العربية السعودية في موضوع اليمن ابتعاداً لحلفائه السنّة عنه لا يجد القدرة على الابتعاد عن حليفه المسيحي في هذه المرحلة او تمييز موقفه منه. ولذلك فانه ستكون هناك تغطية سياسية كاملة له في موضوع شل الحكومة علما ان الحزب لا يسقطها في الوقت الذي يستمر في تحصيل ما يريد منها ويستفيد في الوقت نفسه من اثبات انه يبقى الحليف الاساسي لعون، في وقت ان انفتاح الاخير على تيار المستقبل والذي اخاف الحزب في مرحلة من المراحل قد خيب آمال التيار مما يعيده بكليته الى حضن الحزب. ومع ان هذا الاخير لا يوافق التيار اطلاقا لا بل يخشى بقوة من اندفاعه الى محاولة فرض مشروع استعادة الجنسية للمغتربين على مجلس النواب، وهي خشية فعلية توازي دعمه له في المقلب الآخر اذ يخشى من تبعاته في استعادة اعداد كبيرة من المسيحيين الجنسية بما يخشى ان يعيد عقارب النفوذ الاميركي الى لبنان، فان وقوفه ضده في هذا المشروع ولو على نحو غير معلن لا يعني عدم دعمه كليا. وسيكون هناك في المدة الفاصلة عن تعيين قائد جديد للجيش في ايلول المقبل موعد انتهاء ولاية العماد قهوجي مجالاً كافياً لمزيد من التصعيد السياسي كما التصعيد في الشارع على وقع رهان على جملة تطورات اقليمية في الدرجة الاولى. وهذه التطورات تبدأ وفق هذه الرهانات من الاتفاق النهائي مع ايران حول ملفها النووي الذي من المفترض ان يعطي دفعا قويا للمحور المؤيد او المناصر لها في لبنان. فمن جهة تؤكد معلومات توفرها مصادر سياسية واسعة الاطلاع اصرار ايران على عدم السماح للسعودية باستثمار انتصارها في اليمن أياً يكن الثمن، والانظار تتجه في هذا الاطار الى محاولات لتحريك الامور في داخل السعودية وليس ابقاء النار حامية في اليمن فحسب وفق ما بدأت تظهر الامور اخيرا على الحدود اليمنية مع المملكة او البلدات القريبة من الحدود. وفي حال كان ثمة توافق على تهدئة الامور فإن هم المملكة سينصب على اليمن ولن يكون للبنان اولوية لديها بما لا يدعم مواقف مؤيديها في لبنان.
– الا ان الرهان يبقى على تأزم داخلي نتيجة الضغوط الذي سيشكله التصعيد السياسي والاعلامي والتعطيل الذي سيطاول الحكومة بعد الشغور الرئاسي بحيث يضع تيار المستقبل وقوى 14 آذار امام خيار القبول بتعيين روكز قائدا للجيش قبل ايلول المقبل او خيار الذهاب الى صفقة شاملة تقول المصادر المعنية انها ستكون متعذرة وفق المعايير التي تفترض المقايضة باعتبار ان عون وحليفه يمسك بموقع رئاسة الجمهورية وبورقة قيادة الجيش، فيضطر الفريق الآخر القبول بأحدهما بالحد الادنى. فاذا قبل بروكز فانما يكون حصل ذلك على الحامي، علماً ان فريق 14 آذار لا يمانع بروكز اصلا ويحترم اهليته بغض النظر عن مصاهرته لعون والا فان الثمن الاكبر اي انتخاب عون رئيسا ستكون كلفته اعلى لقاء التضحية بروكز. في اي حال فان الضغط الذي سيمارسه هذا الفريق خلال الاشهر القليلة المقبلة سيدفع حكما الفريق الآخر الى دفع اثمان عليه قد يصعب عليه تجنبها، علما ان دفع الامور الى صفقة شاملة لن تتم على الارجح وفق القواعد السابقة بل ان الدستور سيوضع على الارجح على الطاولة. وايا تكن التسمية التي سيحملها هذا التطور، اكان مؤتمرا تأسيسيا ام تعديلا دستوريا او ايا يكن، فهو سيأتي حكما على حساب المسيحيين بمعرفة عون او بتجاهل منه، لكن “حزب الله” سيستفيد من تصعيد عون كما في موضوع الرئاسة لتعزيز موقعه واوراقه.