Site icon IMLebanon

جنون الارتياب !

تكاد المسماة أزمة النفايات المقيمة بيننا منذ أكثر من مئة يوم ان تودي بآخر معاقل المنطق فينا لفرط ما امعنت هذه اللعنة في زيادة منسوب التوجس مما يصح ولا يصح في مسلسلات التدهور اللبناني الذي لم يعد يوفر آفة الا ويعممها. في آخر التقليعات الهزلية لهذه الأزمة لم يعد الكلام الرسمي والسياسي كما التداول الاعلامي الرائج يجد أي حرج في ان تنسحب التصنيفات المرضية مثل المذهبية والطائفية على توزيع المطامر. فصار الكلام من مطمر يأخذ بجريرة الاهانة مذهبا من هنا وآخر من هناك من دون أي رفة جفن أو انتفاضة لكرامة أو لحرمة. يقع قليلنا ممن لا يزالون يقيمون اعتبارا للكرامات والحرمات في الاحراج الكبير لدى التعامل مع هذا الانحدار بل التهاوي الهائل في يوميات يكاد يمسخ معها كل ما كان من سلم قيم لم تقو عليه حتى الحرب إياها على رغم كل مآسيها وويلاتها لكن بقي منها وبعدها على الأقل “أدبيات” وثقافة تحفظ تراكما كان يسمى يوما إشعاعاً لبنانياً.

نقفز الآن الى مرحلة أخرى موغلة في القتامة والهبوط فاذا بنا أمام تصنيفات وخلفيات يجري زجها في التداول من مثل ربط أزمة القمامة بأبعاد تتجاوز الاهانة اللاحقة بمجمل الفئات اللبنانية والشعب اللبناني والدولة اللبنانية، طبعاً مع التذكير ان هذه التسميات الرفيعة هي آخر ما تبقى لنا من خطوط ولو وهمية لكي نظل نقول ونردد اننا ننتمي الى وطننا. هي أبعاد ربما تكون متصورة وربما واقعية ولكنها في الحالين تكاد تلصق فينا ما يصح كونه جنون الارتياب من أي شيء الى حدود ربط الكبيرة كما الصغيرة بأزمات أكبر من واقعنا قد تصل معها مثلاً أزمة نفايات الى حدود التضخيم الهستيري. ولكن كيف لا يحصل ان يقال مثلاً ان حل ازمة المطامر وتوزيعها وفق تصنيف طائفي – مذهبي على مقياس الأوتار الفتنوية القائمة في كل تفصيل لبناني ما دام “كبار القوم” السياسيين راحوا في خبثهم الشديد الواقعية يطبعون الناس على “ادبيات” التصنيف البشع هذا كأنه من امور مألوفة. وكيف، والحال هذه، لا تقاس موجات الوساطات والتحركات والمواقيت المتصلة بتأخير خطة للنفايات أو بتسريعها على مقياس اقليمي مثلاً تبعاً لارتباطات القوى الداخلية واسقاط كل موقف من مواقفها القديمة أو الجديدة على اللحظة الاقليمية؟ لعله من غير الجائز تصنيف حالة عامة كهذه الا بتصنيفات علماء النفس والاجتماع والأطباء النفسيين، ولكن ما يخيف فعلاً ان يغدو جنون الارتياب فينا هو الحقيقة الجارفة التي تتحكم بالبلاد كلما اكتشفنا ان وقائع الصراعات الداخلية السياسية صارت من البشاعة بحيث يصح فيها كل ما لم نتخيل يوماً انه قابل للتصديق وبعد سقوط كل محاذير الجنون.