Site icon IMLebanon

باريس طمأنت «حزب الله» وطلبت منه…

 

مرة جديدة شكّلت الاحداث العسكرية والأمنية بين «حزب الله» واسرائيل اثباتاً اضافياً بأنّ احتمالات اندلاع حرب جديدة تبقى متدنية جداً. فلا اسرائيل قادرة او راغبة بذلك، ولا «حزب الله» يريد الحرب. وهذا ما قاله بوضوح السفير الاميركي السابق في لبنان جيفري فيلتمان.

 

ففي اسرائيل، وضع داخلي ضاغط وازمات سياسية متلاحقة، تكاد تأخذ البلاد الى انتخابات رابعة في خلال سنتين. وهي سابقة تاريخية على المستوى العالمي.

 

وفي لبنان، انهيار اقتصادي ضاغط، يضع الاولوية لكيفية اخراج لبنان من ازمته، وهو ما يمنع «حزب الله» من القيام بخطوات تؤدي الى الانزلاق في الحرب. لكن هذا لا يعني انّ العمليات العسكرية والامنية المحدودة ستتوقف لا بل على العكس، فهي قد تشكّل البديل المطلوب عن المواجهة المباشرة والشاملة.

 

صحيح أنّ اسرائيل ابلغت لبنان من خلال قوات الطوارئ الدولية غداة ما حصل في مزارع شبعا، بأنّها لا تريد ان يتدهور الوضع عند الخط الازرق الفاصل مع «حزب الله»، وبأنّها ليست معنية بتصعيد الاوضاع، إلّا أنّ التقرير الصادر عن المعهد الاطلسي الاميركي، رجّح ان تزيد اسرائيل من هجماتها في سوريا خلال الفترة المقبلة، لاستهداف منظومة الدفاع الجوي الايرانية التي ستسلّمها قريباً الى دمشق. ذلك أنّ ايران تريد ضمان استمرار عمل الجسر الجوي بين طهران ودمشق، والذي يؤمّن وصول الامدادات العسكرية الى «حزب الله» في لبنان، فيما من المرجح ان تسعى الطائرات الاسرائيلية الى ضرب هذا الجسر، وبالتالي استهداف منظومة الدفاع الجوي المخصّصة لحماية هذا الجسر.

 

وما يشجع اسرائيل اكثر، هو اعتبار بعض قادتها بأنّ الظرف الدولي مساعد في هذا الاطار. فإيران غارقة في ازمتها الاقتصادية، والتي فاقم من صعوبتها التمدّد السريع لجائحة كورونا. وموسكو تبدو موافقة على غضّ النظر عن حصول ضربات محدودة، تؤدي الى اضعاف الحضور الايراني في سوريا.

 

وقرأ البعض في تلويح الرئيس الروسي بتقليص عديد قواته في سوريا، ليس فقط رسالة للداخل الروسي، بل ايضاً رسالة لإيران وسوريا في اطار المواجهة الحاصلة مع اسرائيل.

 

والاهم الإنشغال الاميركي الكامل بالصراعات الداخلية العنيفة مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية، والتي لم يعد يفصل عنها سوى ثلاثة اشهر بالتمام والكمال.

 

فعضّ الاصابع بين واشنطن وطهران مستمر في خطّه التصاعدي. ودونالد ترامب المحشور، بحاجة ماسة لدعم «صديقه» بنيامين نتنياهو، ولو أنّ واشنطن رسمت خطاً احمر بعدم ضمّ مناطق من الضفة الغربية في هذه المرحلة، وعدم الذهاب الى حرب مفتوحة في الشرق الاوسط.

 

لكن اسرائيل بدورها، والتي لا تؤمن بالصداقات في السياسة بل بالمصالح فقط، بدأت تفكر بالانقلاب سراً على ترامب. ففي تقرير صادر عن معهد ابحاث الامن القومي في جامعة تل ابيب، جرت الاشارة الى انّ فوز جو بايدن سيؤدي الى حصول توتر بين واشنطن وتل ابيب بسبب العلاقة الوطيدة بين ترامب ونتنياهو.

 

ودعا تقرير الحكومة الاسرائيلية الى إجراء اتصالات سرّية مع بايدن ومستشاريه منذ الآن. فصحيح انّ بايدن كان اعلن دائماً عن دعم وتأييد اسرائيل ورفض دعوات «ديموقراطيين» لاشتراط المساعدات الاميركية لاسرائيل واصفاً ايّاها بالخطأ الجسيم، الّا انّ نتيناهو كان ألقى خطاباً في الكونغرس عام 2015 ضدّ الاتفاق النووي، ما اعتبره الديموقراطيون التفافاً على الرئيس الاميركي يومها باراك اوباما.

 

وما يضاعف من الحذر الاسرائيلي ازاء الانتخابات الاميركية، ما صدر عن ترامب حيال سؤاله حول تأجيل الانتخابات الرئاسية، ما أثار عاصفة من الرفض من الحزبين الديموقراطي والجمهوري على السواء، وحتى من شخصيات قريبة جداً من ترامب مثل السيناتور ليندسي غراهام.

 

وسؤال ترامب يخفي في طياته قلقاً كبيراً من احتمال خسارته للانتخابات.

 

كل ذلك يعني انّ الانعكاسات على الشرق الاوسط ستذهب الى مزيد من الضغوط والسخونة ولي الأذرع وعضّ الاصابع، لكن من دون الوصول الى المواجهة المفتوحة او الحروب. وهو ما يعني بالتالي انّ الساحة اللبنانية لن تكون بمنأى، لا بل على العكس في صلب الصراع الحاصل.

 

لذلك يتمسك «حزب الله» بردّ ولو مضبوط او مدروس، ولذلك ايضاً تعمل اسرائيل بقوة لعدم السماح بتسجيل نقطة لصالح «حزب الله».

 

لكن التركيز هو على الزلزال الاقتصادي الداخلي في لبنان، وهو ما يراهن عليه العديد من الاسرائيليين والاميركيين في اطار صراعهم مع ايران.

 

ذلك انّ الإهتراء الذي وصل اليه الواقع الاقتصادي بات يُنذر بما هو اصعب بكثير قريباً.

 

وبات ثابتاً انّ مصرف لبنان لن يستمر طويلاً في سياسة دعم السلة الغذائية والمحروقات، اضافة الى الصعوبات التي تواكب وصول بواخر الفيول لإنتاج الطاقة الكهربائية. ومعه، هنالك من يتحدث عن شتاء مبكر، قد يبدأ مع نهاية شهر ايلول. شتاء اصعب واكثر قساوة. ولأنّ شدّ الحبال القائم بين طهران وواشنطن على الساحة الاقتصادية اللبنانية، قيل انّ «حزب الله» يتحضّر للسيناريو الاسوأ، وبالتالي فهو وضع خطة طوارئ لاستقدام فيول ومحروقات من ايران.

 

لكن في المقابل، تروي مصادر ديبلوماسية، أنّ واشنطن ستطبّق العقوبات على اي مشتقات نفطية يتمّ استيرادها من ايران، وهذه العقوبات ستطال رجال اعمال او مصارف او حتى مواطنين عاديين يعملون على تسهيل او بيع او توريد او نقل او تخزين نفط من ايران. وربما هذه الصورة بالذات هي التي سعى وزير الخارجية الفرنسية للتحذير منها خلال زيارته الى بيروت.

 

وهو لذلك صُدم بالسلبية التي تعاطت معها السلطة في لبنان.

 

ذلك أنّ فرنسا، والتي يربطها بلبنان مسار تاريخي طويل ومصالح مشتركة، تدرك جيداً هشاشة الوضع في لبنان وقدرته على الصمود. وهي تدرك انّ لبنان بحاجة للاوكسيجين كي لا يختنق، وأنّ السبيل الى ذلك تحقيق إصلاحات ملحّة.

 

والواضح أنّ المحطة الاسوأ في برنامج زيارته الى لبنان كانت في السرايا الحكومية. هو سأل رئيس الحكومة عن السبب في عدم تحقيق الحكومة للإصلاحات: «لقد وصلت الى رئاسة الحكومة من خارج السياق التقليدي وفي لحظة غير محسوبة، فلماذا لا تستغل الظرف وتدفع لتحقيق الاصلاحات؟»

 

وتابع لودريان: «لبنان بحاجة ملحّة لإصلاحات في قطاع الكهرباء، وهنالك دول في العالم ظروفها أصعب ولكنها حققت انجازات كاملة على صعيد الكهرباء. فلماذا لا تزالون تعتمدون على البواخر؟».

 

واضاف وزير الخارجية الفرنسية: «كما انّ هنالك مشكلة النفايات. فكيف لنا ان نفهم انّ دولاً أصغر في المساحة من لبنان مثل موناكو على سبيل المثال، قادرة على حلّ مشكلة النفايات، فيما أنتم لا تستطيعون؟ هذه المشاكل ليست صعبة او عصية على الحل، ونحن مستعدون لمساعدتكم على حلها».

 

وقيل انّ الرئيس حسان دياب اشتكى قائلاً: «يأتيكم دائماً من يعمل على التحريض علينا والتشويش على جهودنا». ليجيب لودريان بأنّ هذا صحيح، لكن فرنسا لا تتأثر بأي كلام، ولا تحدّد سياستها ومواقفها على اساس التحريض، بل وفق نقاط ومعطيات واضحة ودقيقة.

 

في الواقع، فإنّ باريس، والتي استاءت من الكلام الذي صدر عن دياب في جلسة مجلس الوزراء، فإنّ سياستها لن تتأثر بذلك. اي انّ العلاقة الفرنسية – اللبنانية اعلى من اي مناكفات جانبية، وبالتالي فإنّ كلام دياب اصبح وراءها، وهي مستمرة في سعيها لمساعدة لبنان.

 

والكلام عن انّ غياب السفير برونو فوشيه جاء للتعبير عن استياء باريس، إنما لم يكن دقيقاً. ذلك انّ فوشيه غادر في اجازته السنوية وهو سيعود قريباً ليسلم آن غريو مهام السفارة قبل ان يغادر نهائياً.

 

والاهم، التطمينات التي نقلتها باريس الى «حزب الله»، بأنّ صدور الحكم في قضية اغتيال رفيق الحريري لن يجري استتباعه بمسار دولي على «حزب الله». اي من دون مفاعيل تطبيقية دولية. وأنّ باريس لعبت دوراً اساسياً في هذا المجال.

 

لكن الفرنسيين طلبوا في الوقت نفسه من «حزب الله» ليونة في المواقف خصوصا من دول الخليج، بحيث تتوقف الاستهدافات الاعلامية. وستعمل باريس ايضاً على ضبط سلوك بهاء الحريري، كي لا يجري استثماره من قبل قوى اقليمية متخاصمة مع «حزب الله».

 

وستتابع السفيرة الفرنسية الجديدة مهمة التواصل المباشر مع «حزب الله»، وسيعاونها في ذلك مساعد خبير في هذا الملف.

 

وستعمل باريس على اشراك دول اوروبية معها في ملف مساعدة لبنان، خصوصاً بعد التوافق الاوروبي على ترتيب تسليفات اوروبية داخلية بقيمة 750 مليار يورو، وهو ما سيساعد الاقتصاد الفرنسي، وبالتالي مساعدة لبنان. ولندن ليست بعيدة عن هذا التوجّه.

 

إنّه الاوكسيجين الفرنسي الذي يحتاجه لبنان بشدة ليتنفس، في ظلّ الكباش الاميركي – الايراني القاسي.