Site icon IMLebanon

المتصرّف وأصحاب الدولة ومترنيخ

 

احتاج وضعُ النظام الخاص لجبل لبنان الى حرب ضدّ ابراهيم باشا وحليفه الأمير بشير الشهابي الثاني، إختلف فيها الإنكليز والفرنسيون، ليعودوا الى الإلتقاء بعد عقدين ونيِّف من المجازر، في الإطار الدولي الذي رعى إنتاج ذلك النظام.

 

استغرق البحث في طبيعة نظام الجبل أكثر من سنة على نار مجازر 1860 الحامية، وعندما أُنجزت خطوطه العامة، غَرق صانعوه في اختيار تسمية الحاكم الجديد. بعضهم أراده أميراً، فثارت ثائرة الإنكليز الذين لم يغفروا للأمير الشهابي وقوفه في وجههم. البعض الآخر إقترح تسميته سلطاناً، فرفض العثمانيون على الفور، إذ لا سلطان غير الجالس في إسطنبول. وبعضٌ ثالث أراد تسميته والياً، فسقطت التسمية على الفور، فالفرنسيون الذين يدعمون الكيان الجديد لا يريدون ما يُذَكِرهُمْ بسلطة الولاة المنتشرين حول الجبل.

 

ليس محسوماً ما اذا كانت تسمية المتصرّف جاءت بعد نقاش ومداولات في إقتراح من مترنيخ الذي كان يومها سفيراً للنمسا في باريس، وقد تمّ ذلك بعدما اقترح العثمانيون بموافقة أولية من الشركاء تسمية الحاكم المفترض مُحافظاً برتبة مُشير… وليس غير مترنيخ أبو التوازنات الأوروبية في ذلك الوقت، من هو قادر على استنباط التسميات والتسويات.

 

لقد مرَّ زمن طويل على إنجاز كواليس باريس النواة الأولى للبنان الجديد، الذي سيصبح على يد فرنسا “لبناناً كبيراً”، على رأسه فخامةُ رئيس، ومعه دولة رئيس مجلس وزراء وعطوفة رئيس مجلس النواب سيحمل بدوره لقب صاحب الدولة. لقد جرى إستبدال تسميات مترنيخ، لكن روحية التأسيس بقيت سائدة مع الأسف الشديد. ففي العصر العثماني ثمّ الفرنسي، إنتقل كبار القوم من رايةٍ الى أخرى، ومعهم رهط المستشارين وقنّاصي الفرص، وهو ما سيصبح أسلوب حكمٍ وحياة، بعد الدخول السوري ووريثه الايراني، الذي سعى على عكس سلفه، الى إقامة بنية “شعبية” قادرة على مدّه بالحياة والتأثير الى مدى أبعد.

 

بقيت الحاجة الى تسمية الأجنبي وتوجيهاته حاجة قائمة لدى غالبية من تناوبوا على السلطة، بعكس نخبٍ ثقافية وسياسية وشعبية دفعت وتدفع ثمناً غالياً من اجل الإستقلال والسيادة وبناء الدولة الديموقراطية. وما نشهده اليوم في طريقة إدارة البلاد فصلٌ – ذروة في سقوط طاقمٍ سياسي يعيش في قرونٍ غابرة، واجتماعات باريس الحديثة التي انعقدت بعد 160 سنة على تنصيب المتصرّف أكّدت أنّ خلفاءه يعيثون في بلدهم فساداً و”كساداً متعمّداً” ويجب الإستغناء عن خدماتهم.